ثم إن هذه الشبهة مذكورة مع جوابها في أوائل الكتب التي يدرسها المبتدئون مثل (سلم الثبوت) و (شروحه)، ولكن (الدهلوي) قد غفل عن ذلك لشدة انهماكه في الخرافات، وسعيه وراء إنكار الحقائق بالشبهات.
3 - نص كلام الرازي ولما كان كلام (الدهلوي) هذا ملخصا لكلام الفخر الرازي فإنا نورد نص عبارة الرازي في (نهاية العقول) في هذا المقام، ثم نشرع في استيصال شبهاته بالتفصيل، فيكون كلام (الدهلوي) هباء منثورا، وهذه عبارة الرازي بعينها:
" ثانيهما: إن (المولى) لو كان يجئ بمعنى (الأولى) لصح أن يقرن بأحدهما كل ما يصح قرنه بالآخر، لكنه ليس كذلك، فامتنع كون المولى بمعنى الأولى.
بيان الشرطية: إن تصرف الواضع ليس إلا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة، فأما ضم بعض تلك الألفاظ إلى البعض - بعد صيرورة كل واحد منها موضوعا لمعناه المفرد - فذلك عقلي. مثلا إذا قلنا " الانسان حيوان " فإفادة لفظة " الانسان " للحقيقة المخصوصة بالوضع، وإفادة لفظ " الحيوان " للحقيقة المخصوصة أيضا بالوضع. فأما نسبة الحيوان إلى الانسان بعد المساعدة على كون كل واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص، فذلك بالعقل لا بالوضع.
وإذا ثبت ذلك فلفظة " الأولى " إذا كانت موضوعة لمعنى، ولفظة " من " موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل.
وإذا ثبت ذلك فلو كان المفهوم من لفظة " الأولى " بتمامه من غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة " المولى "، والعقل حكم بصحة اقتران المفهوم من لفظة " من " بالمفهوم من لفظة " الأولى "، وجب صحة اقترانه أيضا بالمفهوم من لفظة " المولى "، لأن صحة ذلك الاقتران ليست بين اللفظتين بل بين مفهوميهما.