ولا تقدر هنا أن تقدر مفردا تكون هذه الجملة في موضعه، كما قدرت في زيد ضربته. فإن قلت: فكيف جاء هذا مرفوعا وأنت لا تقدر على مفرد يعطي هذا المعنى؟ قلت: جاء على تقدير شئ رفض ولم ينطق به، واستغنى عنه بهذا الذي وضع مكانه، وهذا وإن كان الأصل فيه بعد إذا أنت تدبرته وجدت له نظائر، ألا ترى أن " قام " أجمع النحويون على أن أصله قوم، وهذا ما سمع قط فيه ولا في نظيره فكذلك زيد أضربه كأن أضربه وضع موضع مفرد مسند إلى زيد على معنى الأمر، ولم ينطق قط به ويكون كقام.
وقال أيضا: مصدر عسى لا يستعمل وإن كان الأصل لأنه أصل مفروض " (1).
أقول: وهذا القدر كاف للرد على ما ادعاه الرازي وارتضاه أتباعه.
(7) قوله: " وإذا ثبت فلفظة " الأولى " إذا كانت موضوعة لمعنى ولفظة " من " موضوعة لمعنى آخر، فصحة دخول أحدهما على الآخر لا يكون بالوضع بل بالعقل ". واضح البطلان، لأن اقتران " من " ب " الأولى " مأخوذ من النقل والسماع، وإلا لجاز اقتران غيره من الحروف مثل " عن " و " على " و " إلى " و " في ". فأي مانع عقلا من أن يقال: " زيد أولى من عمرو " أو يقال: " زيد أولى على عمرو "؟
ومما يؤيد ما ذكرنا من كون اقتران " من " ب " أولى " مأخوذا من الاستعمال والوضع كلام الشيخ خالد الأزهري في أحكام أفعل التفضيل وهذا نصه:
" والحكم الثاني فيما بعد أفعل: أن تؤتي " من " الجارة للمفضول كما تقدم من الأمثلة، وهي عند المبرد وسيبويه لابتداء الارتفاع في نحو أفضل منه وابتداء الانحطاط في نحو شر منه. واعترضه ابن مالك بأنها لا تقع بعدها " إلى " واختار أنها للمجاوزة، فإن معنى زيد أفضل من عمرو: جاوز زيد عمرا في الفضل.
واعترضه في المغني: بأنها لو كانت للمجاوزة لصح في موضعها " عن ". ودفع بأن