نذكر هنا ما ذكره ابن قتيبة الدينوري (1) - الذي كان في عصر البخاري ومات بعده بعشرين سنة - في كتابه المشهور (الإمامة والسياسة).
قال في ضمن كلام طويل له:
ثم بعث إليه (أي إلى سعد بن عبادة) أبو بكر رضي الله عنه أن أقبل فبايع، فقد بايع الناس وبايع قومك، فقال: أما والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي من نبل، واخضب منكم سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي، ولا والله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم حسابي، فلما أتي بذلك أبو بكر من قوله: قال عمر: لا تدعه حتى يبايعك.
فقال لهم بشير بن سعد: إنه قد أبى ولج، وليس يبايعك حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل ولده معه وأهل بيته وعشيرته، ولن تقتلوهم حتى تقتل الخزرج، ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الأوس، فلا تفسدوا على أنفسكم أمرا قد استقام لكم، فاتركوه فليس تركه بضاركم وإنما هو رجل واحد، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد واستنصحوه لما بدا لهم منه.
فكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يجتمع بجمعتهم، ولا يفيض بإفاضتهم، ولو يجد عليهم أعوانا لصال بهم، ولو يبايعه أحد على قتالهم لقاتلهم، فلم يزل كذلك حتى توفي أبو بكر رحمه الله، وولي عمر بن الخطاب، فخرج إلى الشام فمات بها، ولم يبايع لأحد رحمه الله.
وإن بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب ومعهم الزبير بن العوام رضي الله عنه، وكانت أمه صفية بنت عبد المطلب، وإنما كان يعد نفسه من بني هاشم، وكان علي كرم الله وجهه يقول: ما زال الزبير