فالبكاء على الميت من الرحمة ولا ينهى الله عن الرحمة، فضلا عن أمره بضرب الباكي بالعصا والحجارة وحثيه بالتراب كما صدر من عمر.
ومهما كان الأمر ففتوى عمر شئ ونقل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ آخر، والحق أن البكاء على الميت مباح، بل حسن ولا يعذب الميت به حتى وإن كان حراما، لما علم بالضرورة من الدين من أن أحدا لا يعذب بفعل الآخر، كيف وهل أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببكائه أن يعذب جعفر الطيار وصاحباه وإبراهيم ابنه وغيرهم ممن بكى عليهم، وهل يدري أبو بكر أن بكاءه على النبي صلى الله عليه وسلم يعذبه؟ (نعوذ بالله من أن يقال بعذاب النبي).
ثم تعالوا معي نستمع إلى قول عائشة وهي ترد على رواية عمر - وابنه حيث قالت: رحم الله عمر، والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن رسول الله قال: إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت: حسبكم القرآن: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (1).
وقالت أيضا: إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكي أهلها، فقال: إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها (2).
أقول: أما استدلالها بالآية الكريمة فصحيح كما أشرنا إليه من قبل، وأما حديثها الأول فيرد عليه أنه لا وجه لزيادة عذاب الكافر ببكاء أهله عليه، فإنه مخالف للعقل، وإنما هو يعذب بكفره وعصيانه فقط، ومخالف للآية الكريمة المذكورة أيضا.
ثم نسأل أم المؤمنين أي وجه لإنكارك - فضلا عن تأكيدك بالقسم - الحديث المذكور ولم تكوني مع رسول الله في المسجد وميادين الحرب