الأمر من هذا الظن الخاطئ ثم تراكمت حوله الأساطير شيئا فشيئا.
ومن غرائب الأمور أن نرى كثيرا من الأمور التي تنسب إلى ابن سبأ موجودة في سيرة عمار على وجه من الوجوه وهذا يدعو إلى التأمل، فإن من يدرس أعمال عمار بن ياسر وأقواله يجد تشابها مدهشا بينها وبين ما نسب إلى ابن سبأ لكي يرى رأيه فيها وأحسب أن القارئ سيعجب معي لهذا التشابه المدهش بين ما نسب لعمار وما نسب إلى ابن سبأ من أمور.
لقد كان ابن سبأ يعرف - بابن السوداء - وقد رأينا كيف كان عمار يكنى - بابن السوداء - أيضا وقد اعتاد العرب أن ينسبوا عدوهم إلى أب وضيع أو أم وضيعة حيث كانوا يهتمون كل الاهتمام بالنسب فإذا كرهوا أحدا جعلوه من نسل المحتقرين والسلفة، ومضى يقول:
ومما تجدر الإشارة إليه أن قريشا كانت تطلق على محمد بدء الدعوة (ابن أبي كبشة) امتهانا له كما أطلقت على عمر بن الخطاب (ابن ختثمة)، ونال عمار بن ياسر من هذا شيئا كثيرا فكانوا يطلقون عليه (ابن سمية) و (ابن المتكأ) و (ابن السوداء).
وكان عمار بن ياسر من أب يماني ومعنى هذا: أنه كان من أبناء سبأ فكل يماني يصح أن يقال عنه أنه ابن سبأ لأن أهل اليمن كلهم ينتسبون إلى سبأ بن يشخب بن يعرب بن قحطان، وفي القرآن الكريم:
قال الهدهد لسليمان: أنه جاءه من سبأ، كما في الآية (وجئتك من سبأ بنبأ عظيم) يقصد بذلك اليمن.
وعمار فوق ذلك كله كان شديد الحب لعلي بن أبي طالب (ع) يدعو له ويحرض الناس على بيعته في كل سبيل. ويحكى الآلوسي في كتابه (روح المعاني): أن رجلا جاء إلى عمار يسأله تفسير الآية القرآنية القائلة: (وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض