الشخص مهما بلغت منزلته بعبد الله كان سائغا بل مستحسنا لديهم، وأكثر الكتب التي كانت تصدر من الخلفاء لأي جهة كانت والتي كانت ترد إليهم من العمال تفتتح: من عبد الله فلان إلى عبد الله فلان، فتسمية عمار بن ياسر بهذا الاسم ليست خروجا على المتعارف وربما كانت بقصد التلميح إليه كتسميته بابن سبأ مع أن بينه وبين جده الأعلى سبأ أكثر من اثني عشر جدا، كما كان سائر الناس يسمى نفسه بعبد الله إذا لم يفصح عن اسمه الصحيح أو تواضعا لله سبحانه.
ويستطرد العلامة الحسني قائلا: هذا كله بالإضافة إلى أنه لو كان بطل تلك الأحداث التي ابتلى بها عثمان في المدينة وخارجها ذلك اليهودي الدخيل كما يزعمون للزم أن يكون معروفا لدى عثمان وولاته، مع أنه كما يبدو لم يرد له ذكر على لسان عثمان وولاته ولم يحدث التاريخ بأنه شكاه إلى أحد، بل كان يتهم عليا، وعمار بن ياسر، وأبا ذر الغفاري بالتحريض عليه، وكان يشكوهم إلى الناس وذهب يوما إلى العباس بن عبد المطلب، وقال له: إن عليا قطع رحمي وألب الناس علي هو وابنك عبد الله، ومرة أخرى قال على منبر المسلمين: إن عليا لا يزال يعيبني ويظاهر من يعيبني يعني بذلك عمارا وأبا ذر، وأحيانا كان يتهم طلحة والزبير وعائشة بتحريض الناس عليه، إلى غير ذلك من مواقفه الكثيرة التي لم يشر فيها ولو من بعيد إلى اليهودي الدخيل الذي أثار الدنيا وأقعدها عليه كما يزعمون.
ومن غير المعقول أن يخفى عليه وعلى ولاته وأن يسكت عنه لو كان له وجود كما يدعون في الوقت الذي جلد عمارا وابن مسعود وغيرهما من صلحاء الصحابة وظل يطارد أبا ذر ويلاحقه حتى فرض عليه الإقامة في منطقة نائية خالية من السكان وفيها كانت نهاية حياته