هذا هو النموذج الرائع الذي يقدمه الإسلام لكل الأجيال البشرية الثائرة على الظلم والجور والطغيان، إنه من خلص أصحاب النبي وأعوانه الذين ثبتوا على الإيمان وساروا على هدي النبي وآله الكرام.
سكوت علي عن نفي أبي ذر وهنا يتساءل المرء ومن حقه أن يتساءل، لماذا سكت علي عن مثل هذا الجور يصيب أبا ذر رأس شيعته العظيم وكبير أعوانه الثائرين في سبيل الحقوق العامة. وفي استطاعة علي أن يمنع عثمان من نفي أبي ذر. وفي استطاعته أن يشعلها ثورة لاهبة على بني أمية وهو صاحب الرأي الوجيه في المسلمين والقول المسموع؟
ثم، ما هو عذره في مثل هذه السكوت؟
وجوابا عن مثل هذا التساؤل، لا بد من القول: إن في الأمر ما هو واضح كل الوضوح، وإن فيه ما هو غامض كل الغموض: أما ما غامض فمرده إلى عصر علي وما فاض به من ملابسات خفية هي من الدقة بحيث يعسر علينا في القرن العشرين أن نحكم رأينا فيها وأن نعرف نسيجها خيطا خيطا. وبحيث يصعب النظر فيها نظرا صادقا سليما إلا إذا كان الناظر مندمجا فيها اندماجا، واعيا كل سبب فيها وكل نتيجة. وهذا ما لا يتيسر لنا في هذا الزمن، وما لا يدرك كنهه الباحثون والدارسون قديما وحديثا، على كثرة ما بحثوا وما درسوا.
فقد خفي على هؤلاء جميعا ما لم يخف على علي بن أبي طالب (ع) من دقائق الشؤون في زمانه، فتتصرف بمقتضياتها تصرفا يعرف، هو، أسبابه ونتائجه.