فقال له أبو ذر: هل أعطى أحدا من المسلمين مثلما أعطاني؟ قال:
كلا، فقال له أبو ذر: اذهب أنت والدرهم، إنما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسعهم ولست في حاجة إلى المال.
فقال له الرسول: أصلحك الله إني لا أرى في بيتك كثيرا ولا قليلا! فرفع أبو ذر الوسادة وأراه قرصين من خبز الشعير، وقال للرسول: بل عندي هذان وإني لغني بهما وثقتي بالله وإيماني بالحق.
لقد امتاز أبو ذر بالزهد والجهر بالحق، وهاتان الميزتان هما السبب الوحيد لنسبة الاشتراكية إلى أبي ذر.
لقد غضب عثمان على أبي ذر، فظن أن غضبه هذا سيضع حدا لنشاط أبي ذر، لكن الذي حصل هو العكس. خصوصا بعد أن انقطعت الشعرة التي كانت بينهما. فأمره باللحوق بالشام.
ففي الشام كان المجال لأبي ذر أوسع من أي بلد آخر. فهو يعرف معاوية على حقيقته، ويعرف إسلام معاوية وإسلام أبيه من قبله، كان صريحا في موقفه الذي ربما تكتم منه بعض الشئ في المدينة، وبذلك فتح على عثمان جبهة جديدة - ربما لم تخطر على باله - استهدفته ومعاوية معا - ولم يكن أبو ذر، غريبا عن الشام - أرض الجهاد - على حد تعبيره وعن معسكر المسلمين هناك، فقد اشترك في غزوة (الصائفة) - الروم، كما شارك في فتح (قبرص)! فكان معاوية أحرص على إبعاده عنه، من إبعاد عثمان إياه عن المدينة. فكتب إلى عثمان فيه:
إنك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر (1) ويظهر أن عثمان - بعد ورود كتاب معاوية عليه - وجد مبررا للانتقام من أبي ذر، وتأديبه كما يشتهي، فكتب إلى معاوية: أما بعد فأحمل جندبا إلى علي أغلظ مركب وأوعره (2)