فيقول كما كان يقول، ويجتمع إليه الناس، حتى كثر من يجتمع إليه ويسمع منه. وكان يقف على باب دمشق، إذا صلى صلاة الصبح، فيقول: جاءت القطار تحمل النار، لعن الله الآمرين بالمعروف والتاركين له، ولعن الله الناهين عن المنكر والآتين له.
وكتب معاوية إلى عثمان: إنك قد أفسدت الشأم على نفسك بأبي ذر، فكتب إليه: أن أحمله على قتب بغير وطاء، فقدم به إلى المدينة، وقد ذهب لحم فخذيه، فلما دخل إليه وعنده جماعة قال: بلغني أنك تقول: سمعت رسول الله يقول: إذا كملت بنو أمية ثلاثين رجلا اتخذوا بلاد الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا. فقال: نعم! سمعت رسول الله يقول ذلك.
فقال لهم: أسمعتم رسول الله يقول ذلك؟ فبعث إلى علي بن أبي طالب، فأتاه، فقال: يا أبا الحسن أسمعت رسول الله يقول ما حكاه أبو ذر؟ وقص عليه الخبر. فقال علي: نعم! قال: وكيف تشهد؟ قال: لقول رسول الله: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر. فلم يقم بالمدينة إلا أياما حتى أرسل إليه عثمان: والله لتخرجن عنها! قال: أتخرجني من حرم رسول الله؟ قال: نعم، وأنفك راغم. قال: فإلى مكة؟ قال: لا! قال:
فإلى البصرة قال: لا! قال: فإلى الكوفة؟ قال: لا! ولكن إلى الربذة التي خرجت منها حتى تموت بها. يا مروان! أخرجه، ولا تدع أحدا يكلمه، حتى يخرج. فأخرجه على جمل ومعه امرأته وابنته، فخرج وعلي والحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر ينظرون، فلما رأى أبو ذر عليا قام إليه فقبل يده ثم بكى وقال: إني إذا رأيتك ورأيت ولدك ذكرت قول رسول الله فلم أصبر حتى أبكي! فذهب علي يكلمه فقال له مروان: إن أمير المؤمنين قد نهى أن يكلمه أحد. فرفع علي السوط فضرب وجه ناقة مروان، وقال:
تنح، نحاك الله إلى النار! ثم شيعه، فكلمه بكلام يطول شرحه، وتكلم كل رجل من القوم وانصرفوا، وانصرف مروان إلى عثمان، فجرى بينه وبين