فناداه الناس: أن سلم الله عليك ورحمك، يا أبا ذر! يا صاحب رسول الله! ألا نردك إن كان هؤلاء القوم أخرجوك؟ ألا نمنعك؟
فقال لهم: ارجعوا، رحمكم الله، فإني أصبر منكم على البلوى، وإياكم والفرقة والاختلاف (1) قال الواقدي: ثم إن عثمان حظر على الناس أن يقاعدوا أبا ذر، أو يكلموه، فمكث كذلك أياما. ثم أتى به، فوقف بين يديه، فقال أبو ذر:
ويحك يا عثمان! أما رأيت رسول الله (ص) ورأيت أبا بكر وعمر! هل هديك كهديهم، أما إنك لتبطش بي بطش جبار!
فقال عثمان: اخرج عنا من بلادنا - إلى آخر الرواية.
وفي (مروج الذهب) فقال له عثمان: وارعني وجهك، فقال:
أسير إلى مكة، قال: لا والله؟ قال: فتمنعني من بيت ربي أعبده فيه حتى أموت؟ قال: إي والله. قال: فإلى الشام، قال: لا والله. قال: البصرة.
قال لا والله، فاختر غير هذه البلدان. قال: لا والله ما أختار غير ما ذكرت لك. ولو تركتني في دار هجرتي، ما أردت شيئا من البلدان، فسيرني، حيث شئت من البلاد. قال: فإني مسيرك إلى الربذة. قال: الله أكبر، صدق رسول الله (ص): قد أخبرني بكل ما أنا لاق. قال عثمان:
وما قال لك؟ قال: أخبرني بأني أمنع عن مكة، والمدينة، وأموت بالربذة، ويتولى مواراتي نفر من المؤمنين ممن يردون من العراق نحو الحجاز (2) وبحكم الخليفة الخاطئ تقرر النفي للرجل الثائر، أنها خطة يتبعها كل نظام جائر مع كل حر أبي يرفض المساومة على مبادئه أو التنازل عنها، أنها التصفية الجسدية إن أمكن وإن خاف على سلطانه