فقلت له: إن الشيعة وإن كانت في وقتنا كثيرا عددها، حتى تزيد على عدة أهل بدر أضعافا مضاعفة، فإن الجماعة التي عدتهم عدة أهل بدر إذا اجتمعت، فلم يسع الإمام التقية ووجب عليه الظهور، لم تجتمع في هذا الوقت، ولا حصلت في هذا الزمان بصفتها وشروطها، وذلك إنه يجب أن يكون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعة، والصبر على اللقاء، والإخلاص في الجهاد، إيثار الآخرة على الدنيا، ونقاء السرائر من العيوب، وصحة العقول، وإنهم لا يهنون ولا ينتظرون عند اللقاء، ويكون العلم من الله تعالى بعموم المصلحة في ظهورهم بالسيف، وليس كل الشيعة بهذه الصفة، ولو علم الله تعالى أن في جملتهم العدد المذكور على ما شرطناه لظهر الإمام (عليه السلام) لا محالة، ولم يغب بعد اجتماعهم طرفة عين، لكن المعلوم خلاف ما وصفناه، فلذلك ساغ للإمام الغيبة على ما ذكرناه.
قال: ومن أين لنا أن شروط القوم على ما ذكرت، وإن كانت شروطهم هذه، فمن أين لنا أن الأمر كما وصفت؟
فقلت: إذا ثبت وجوب الإمامة وصحت الغيبة لم يكن لنا طريق إلى تصحيح الخبر إلا بما شرحناه، فمن حيث قامت دلائل الإمامة والعصمة وصدق الخبر حكمنا بما ذكرناه.
ثم قلت: ونظير هذا الأمر ومثاله ما علمناه من جهاد النبي (صلى الله عليه وآله) أهل بدر بالعدد اليسير الذين كانوا معه، وأكثرهم أعزل راجل، ثم قعد عليه وآله السلام في عام الحديبية ومعه من أصحابه أضعاف أهل بدر في العدد، وقد علمنا أنه (صلى الله عليه وآله) مصيبا في الأمرين جميعا، وأنه لو كان المعلوم من أصحابه في عام الحديبية ما كان المعلوم منهم في حال بدر لما وسعه القعود والمهادنة، ولوجب عليه الجهاد كما وجب عليه قبل ذلك، ولو وجب عليه ما تركه لما ذكرناه من العلم بصوابه