فإن وجب عليهم لوجودهم ظاهرين في كل زمان إقامة الإمام المنفذ للأحكام، وعانوا ترك ذلك في طول هذه المدة عاصين ضالين عن طريق الرشاد كان لنا بذلك عليهم ولن يقولوا بهذا أبدا، وإن كان لهم عذر في ترك إقامة الإمام، وإن كانوا في كل وقت موجودين، فذلك العذر لأئمتنا (عليهم السلام) في ترك إقامة الحدود وإن كانوا موجودين في كل زمان، على أن عذر أئمتنا (عليهم السلام) في ترك إقامة الأحكام أوضح وأظهر من عذر المعتزلة في ترك نصب الإمام، لأنا نعلم يقينا بلا ارتياب أن كثيرا من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد شردوا عن أوطانهم، وسفكت دماؤهم، والزم الباقون منهم الخوف على التوهم عليهم أنهم يرون الخروج بالسيف، وأنهم ممن (ترجع) إليهم الأحكام، ولم ير أحد من المعتزلة ولا الحشوية سفك دمه، ولا شرد عن وطنه، ولا خيف على التوهم عليه، والتحقيق منه أنه يرى في قعود الأئمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل هؤلاء القوم يصرحون في المجالس بأنهم أصحاب الاختيار، وإن إليهم الحل والعقد والإنكار على الطاعة، وإن من مذهبهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضا لازما على اعتقادهم، وهم مع ذلك آمنون من السلطان، غير خائفين من نكيره عليهم من هذا المقال.
فبان بذلك أنه لا عذر لهم في ترك إقامة الإمام، وإن العذر الواضح الذي لا شبهة فيه، حاصل لأئمتنا (عليهم السلام) من ترك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام، لما بيناه من حالهم ووصفناه، وهذا واضح، فلم يأت بشئ، ولله الحمد ولرسوله وآله الصلاة والسلام والله الموفق للصواب. (1)