الشروع في أيهما أفضل، لا بد من تقديم مقدمة تمهيدا للبحث.
قال: فهات.
قلت: إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بعثه الله تعالى لهداية الناس إلى الصراط المستقيم، وليعرفهم ما كانوا يجهلون، فأورد فيه من الأمثال والقصص ما فيه معتبر للعاقل، فيتحصل بذلك فوائد:
منها: الدلالة على صحة الرسالة المحمدية، حيث إنه (صلى الله عليه وآله) لم يقرأ كتابا، ولم يختلف إلى معلم، بل كان أجيرا راعيا، فمن أين له معرفة هذه القصص التي يجهلها أهل التاريخ؟ ومن أين له بهذه القوانين والنظم الأخلاقية والاجتماعية التي قلبت العالم رأسا على عقب، وحولت الناس من همجية الجاهلية، ووحشية العصبية، إلى سعة العدل والإنصاف والمساواة، وجعلتهم بعد العداوة والبغضاء إخوانا.
ومنها: الترغيب في الأعمال الصالحة والصبر عليها مهما كان العمل فيها شاقا، والعناء شديدا، فإن من نظر في أحوال الأنبياء والصلحاء، وما عانوا من المشقات، وقاسوا من المحن، ليجد أن النصر والفلاح كان لهم أخيرا، وآبوا بحسن العاقبة، وباء غيرهم بالخسران.
ومنها: التحذير من بأس الله وانتقامه، وتأييد ذلك بما حصل في الأمم السالفة من أنواع العقوبات.
والذي يبعث إلى الناس إنما يخبر عمن تقدمه قبلا، وعن قصصهم وأخبارهم، لا أن يحدث عن تاريخ ولادته وقصة حياته، وأحوال أهله وأولاده، فإن ذلك معلوم عند المعاصرين له، فحديثه عن كل هذا إنما يكون من قبيل تحصيل الحاصل، فلا معنى له إذا.