لا يخرج أحد في الأحكام الشرعية عن حد تقليد الأئمة الأربعة، وبأي دليل شرعي صار اتباع أحد المذاهب الأربعة واجبا مخيرا، والرجوع إلى ما ورائها حراما معينا، مع سابقتنا بأحوال جميع المذاهب من بدئها، وكيفية نشرها، وتدرجها في الارتقاء، وتأثير العوامل في تقدم بعضها على غيرها بالقهر والغلبة من الدولة والحكومة، كما أفصح عن بعض ذلك نابغة العراق المؤرخ " ابن الفوطي " في " الحوادث الجامعة " في صفحة 216 في وقائع سنة 645، يعني قبل انقراض بني العباس بإحدى عشر سنة في أيام " المستعصم " الذي قتله " هلاكو " سنة 656.
[بدء انحصار المذاهب في بغداد] وقد ذكر قبل ذلك في وقائع سنة 631 كيفية افتتاح المدرسة " المستنصرية " في بغداد في جمادى الثانية من هذه السنة، قال:
" وكان الشروع في بنائها بأمر المستنصر بالله في سنة 625، وقد تولى عمارتها أستاد الدار " مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي " وقسمت يوم افتتاحها على أربعة أقسام. فسلم الربع القبلي الأيمن إلى الشافعية، والربع الأيسر إلى الحنفية، والربع الثالث يمنة الداخل للحنابلة، والميسرة للمالكية، وتخير لكل مذهب اثنان وستون نفسا من الفقهاء - الذين يقرأون الفقه والأحكام - فيكون مجموع الطلبة المتفقهة في المدرسة مائتين وثمانية وأربعين نفسا،