وأما في هذا التاريخ فقد أعلن مصادر الأمور: بأن تمذهب الرجل المسلم بغير المذاهب الأربعة من أعظم الكبائر والمنكرات التي يجب على كل قادر أن يمنعه عنه، بل هو مما يخرجه عن حدود الإسلام، فيعزل عن القضاء ويرد شهادته، إذ لو لم يكن خارجا عن حد الإسلام، فمجرد اقتراف أعظم الكبائر لا يخرجه عندهم عن لياقة القضاء وقبول الشهادة.
وهذا الاعلان من رؤساء العامة قد كسر ظهر الإسلام، وألقى بين أفراد المسلمين العداوة والبغضاء، وشتت شملهم، وفرق كلمتهم ومزقهم تمزيقا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومنها: أن في حدود سنة 665 قد حكم الفقهاء بوجوب اتباع المذاهب الأربعة وحرمة التمذهب بما عداها من سائر المذاهب، وهذا أيضا من أعظم المصائب على الإسلام، حيث أنه قد مضى على الإسلام الشريف قرب سبعة قرون، ومات فيها على دين الإسلام ما لا يحصي عدتهم إلا خالقهم، ولم يسمع أحد من أهل القرنين الأولين منها اسم المذاهب أبدا. ثم فيما بعد القرنين كان أفراد المسلمين بالنسبة إلى الأحكام الفرعية في غاية من السعة والاطلاق والحرية، كان يقلد عاميهم من اعتمد عليه من المجتهدين، وكان المجتهدون يستنبطون الأحكام عن الكتاب والسنة، على موازينهم المقررة عندهم في العمل بالسنة النبوية، فأي شئ أوجب في هذا التاريخ على عامة المسلمين: العامي المقلد، والفقيه المجتهد أن