قال سدير: فلما ان قام عن مجلسه صار في منزله وأعلمت دخلت أنا وأبو بصير وميسر وقلنا له: جعلنا الله فداك سمعناك أنت تقول كذا وكذا في أمر خادمتك، ونحن نزعم انك تعلم علما كثيرا، ولا ننسبك إلى علم الغيب (1).
وذكر لهم الحديث المتقدم في مطلع الطائفة السابعة من القسم الثاني من الأدلة التكوينية، كيف انه يعلم الكتاب كله وانه أعلم من آصف.
وفي رواية قال (عليه السلام): " اني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض، وأعلم ما في الجنة وأعلم ما في النار، وأعلم ما كان وما يكون ".
قال: ثم مكث هنيئة فرأى أن ذلك كبر على من سمعه منه.
فقال: " علمت ذلك من كتاب الله " (2).
ونحو ذلك من الروايات كثير (3).
هذا ويكمن أن يقال: أن روايات توقف علم الإمام على المشيئة ترجع إلى الاحتمال الثاني أيضا، لأنها ليست في صدد نفي العلم اللدني للإمام ولا سلب العلم عن الإمام في بعض الأزمنة، انما هي بصدد تبيين غزارة علمهم وانه لا يخفى عليهم شئ في السماوات والأرض، وانهم يعلمون كل شئ متى أرادوا.
وإن شئت قلت: آل محمد في عيش دائم مع الله، وإرادتهم دوما مع الله تعالى، ولا تفكر إلا بالله وآياته وعباداته، فلا بد للإمام أن لا يخرج عن هذا العيش إلا للضرورة - كما تقدم - فإذا احتاج إلى علم ما لحل خصومة أو نحو ذلك استدعى علمه المخزون بإرادته ومشيئته.
وهذا لا يستلزم النقص، لأنه انما غاب عن هذه العلوم (علوم تصريف الأمور) للانشغال بعلوم أفضل وأشرف، لأن عيش الإمام مع الله هو التفكر في آياته وعلم الله والعلم بصفاته وأسمائه، وهذا أشرف العلوم وأكملها.