شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٧ - الصفحة ٢٣١
أخبرني جبريل أن هذا يقتل بأرض العراق - للحسين، فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض يقتل بها، فهذه تربتها (طب) 1).
(1) قال العلامة الشريف السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي الحسيني الموسوي الشافعي الشهرزوري المدني المتوفى بها سنة 1103 في كتابه " الإشاعة لأشراط الساعة " (ص 24 ط دار الكتب العلمية في بيروت) قال:
وجاء من طرق صحح الحاكم بعضها: أن جبريل - وفي رواية ملك القطر - جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أن الحسين مقتول، وأراه من تربة الأرض التي يقتل فيها، فأعطاها لأم سلمة وأخبرها أن يوم قتله يتحول دما، فكان كذلك. وشم صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: ريح كرب وبلاء، وسببه أنه لما مات الحسن أخذ معاوية البيعة ليزيد من أهل الشام وجاء حاجا فأراد أن يأخذها من أهل الحجاز من المهاجرين والأنصار، فامتنعوا وقالوا: إن كان لك رغبة فيها فهي لك، وإن سئمتها فردها على المسلمين. فلما مات معاوية وبويع ليزيد بالشام وغيرها، أرسل يزيد لعامله بالمدينة أن يأخذ له البيعة على الحسين، فهرب الحسين إلى مكة خوفا عن نفسه، فأرسل إليه أهل الكوفة أن يأتيهم ليبايعوه، فنهاه ابن عباس وذكر له غدرهم وقتلهم لأبيه وخذلانهم لأخيه وأمره أن لا يذهب بأهله، فأبى فبكى ابن عباس وقال:
وا حسيناه. وقال له ابن عمر نحو ذلك فأبى، فقبل بين عينيه وقال: استودعتك الله من قتيل.
وكذلك نهاه ابن الزبير، بل لم يبق بمكة أحد إلا حزن لمسيره.
ولما بلغ أخاه محمد بن الحنفية بكى حتى ملأ طستا بين يديه، وقدم أمامه مسلم بن عقيل فبايعه من أهل الكوفة اثنا عشر ألفا أو أكثر، وأرسل إليه يزيد ابن زياد وحرضه على قتله، وأخذوا مسلم بن عقيل فقتلوه، وتفرق المبايعون.
وسار الحسين غير عالم بذلك، فلقى الفرزدق فسأله فقال: قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء ولما قرب من القادسية تلقاه من أخبره الخبر وأمره بالرجوع، فقالت إخوة مسلم بن عقيل: والله لا نرجع حتى نأخذ بثأرنا أو نقتل. فقال: لا خير في الحياة بعدكم. ثم سار فلقيه أوائل خيل ابن زياد، فعدل إلى كربلاء، فجهز إليه ابن زياد عشرين ألف مقاتل، فلما وصلوا إليه طلبوا منه النزول على حكم ابن زياد والمبايعة ليزيد، فقال: دعوني أذهب إلى يزيد. فأبى ابن زياد إلا النزول على حكمه، فقال: والله لا نزلت على حكمه أبدا. فقاتلوه وكان أكثر مقاتليه المكاتبين له والمبايعين له، فلعنة الله على قاتليه مرة وعلى خاذليه مائة مرة حيث جعلوا آل بيت رسول الله فداء لأنفسهم، قاتلهم الله ما أغدرهم وأخذلهم، ومن ثم قال لهم أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: والله لو قدرت لبعتكم بأهل الشام صرف الدراهم بالدنانير كل عشرة منكم بواحد منهم.
فحارب عليه السلام ذلك العدد الكثير، ومعه من أهله نيف وثمانون، فشبت في ذلك الموقف ثباتا باهرا، ولولا أنهم حالوا بينه وبين الماء ما قدروا عليه.
فلما بلغ القتلى من أهله خمسين نادى: أما ذاب عن حريم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج يزيد بن الحرث رجاء شفاعة جده صلى الله عليه وسلم، فقاتل بين يديه حتى قتل. ثم ثبت في أصحابه وبقي بمفرده، فحمل عليهم حملة حمزة وأبيه علي، وقتل كثيرا من شجعانهم، فكثروا عليه حتى حالوا بينه وبين حريمه، فصاح عليه السلام: كفوا سفهاءكم عن النساء والأطفال فكفوا، ثم لم يزل يقاتلهم حتى أثخنوه بالجراح، لأنه طعن إحدى وثلاثين طعنه، وضرب أربعا وثلاثين ضربة، ومع ذلك غلى عليه العطش، فسقط إلى الأرض وحزوا رأسه الشريف يوم الجمعة عاشر محرم عام إحدى وستين. ولما وضعه قاتله بين يدي اللعين ابن زياد أنشد متبجحا:
أوقر ركابي فضة وذهبا * إني قتلت ملكا محجبا قتلت خير الناس أما وأبا * وخيرهم إذ ينسبون نسبا فأمر بضرب نقه وقال: إذا علمت أنه كذلك فلم قتلته. والطاهر أنه ما قتله إلا لأنه مدحه لا لأنه قتله، ويدل لذلك أنه جعل الرأس الشريف في طست وجعل يضرب ثناياه الشريفة بقضيب ويدخله أنفه ويتعجب من حسن ثغره، فبكى أنس رضي الله عنه وقال: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال زيد بن أرقم: أرفع قضيبك فوالله لطالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ما بين الشفتين، وبكى فأغلظ عليه اللعين ابن زياد وهدده بالقتل، فقال: لأحدثنك بما هو أغيظ عليك من هذا، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعد حسنا على فخذه اليمنى وحسينا على فخذه اليسرى، ثم وضع يده الكريمة على يافوخهما، ثم قال: اللهم إني استودعك إياهما وصالح المؤمنين. فكيف كانت وديعة النبي عندك يا ابن زياد.
وقد انتقم الله منه، فقد روى الترمذي بسند صحيح إن رأس ابن زياد لما قتل وضع موضع رأس الحسين، وإذا حية عظيمة قد جاءت، فتفرق الناس عنها، فتخللت الرأس حتى جاءت ابن زياد فجعلت تدخل في فمه وتخرج من منخريه وتخل من منخريه وتخرج من فمه، فعلت ذلك مرتين أو ثلاثا.
ولما دخل قصر الإمارة بالكوفة أمر برأس فوضع على ترس عن يمينه والناس سماطان، ثم أنزل وجهزه مع رؤوس أصحابه وسبايا آل الحسين على أقتاب الجمال موثقين في الحبال والنساء مكشفات الوجوه والرؤس إلى يزيد لعنه الله، ولما نزل الذين أرسلهم ابن زياد بالرأس أول منزل جعلوا يشربون على الرأس، فخرجت عليهم يد من الحائط فكتبت سطرا بدم:
أترجوا أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب فهربوا وتركوا الرأس، ثم عادوا وأخذوه، ولما قدموا به على يزيد أقام الحريم على درج الجامع حيث تقام الأسارى والسبي.
ومما ظهر يوم قتله إن السماء أمطرت دما، وإن أوانيهم ملئت دما، وانكشفت الشمس ورؤيت النجوم، واشتد الظلام حتى ظن الناس أن القيامة قد قامت وإن الكواكب ضربت بعضها بعضا، وإنه لم يرفع حجر إلا رؤي تحته دم عبيط، وإن الورس انقلب دما، وإن الدنيا أظلمت ثلاثة أيام.
وقتل معه من إخوته وبنيه وبني أخيه الحسن ومن أولاد جعفر وعقيل تسعة عشر رجلا، قال الحسن البصري: وما كان على وجه الأرض لهم يومئذ شبيه، وأنشدوا:
أعين بكى بعبرة وعويل * واندبي إن ندبت آل الرسول سبعة منهم لصلب علي * قد أبيدوا وتسعة لعقيل قال المولوي علي بن سلطان محمد القاري في " شرح الشفاء للقاضي عياض " ج 3 ص 191 المطبوع بهامش " نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض " (ط دار الفكر بيروت) قال:
(وأخبر بقتل الحسين) أي ابن علي رضي الله عنهما (بالطف) بفتح الطاء وتشديد الفاء مكان بناحية الكوفة على شط نهر الفرات واشتهر الآن بكربلاء كأنه مركب من الكرب والبلاء وحذفت الباء الأولى تخفيفا والاكتفاء بحسب الايماء، واستشهد وهو ابن خمس وخمسين سنة ووجد به ثلاث وثلاثون طعنة وثلاث وثلاثون ضربة، وكان جميع من حضر معه من أهل بيته وشيعته سبعة وثمانين منهم علي بن الحسين الأكبر وكان يرتجز ويقول:
أنا علي بن الحسين بن علي * نحن وبيت الله أولى بالنبي تالله لا يحكم فيها ابن الدعي وقتل من ولد أخيه عبد الله بن الحسنوالقاسم بن الحسن، ومن إخوته العباس بن علي وعبيد الله بن عليوجعفر بن عليوعثمان بن عليومحمد بن علي وهو أصغرهم، ومن ولد جعفر بن أبي طالب محمد بن عبد الله بن جعفر وعون بن عبد الله بن جعفر، ومن ولد عقيل بن أبي طالب: عبد الله بن عقيل وعب الرحمن بن عقيل وجعفر بن عقيل، وقتل معه من الأنصار أربعة والباقي من سائر العرب ودفنوا بعد قتلهم بيوم.
وذكر أبو الربيع بن سبع في مناقب الحسين عن يعقوب بن سفيان قال: كنت في ضيعتي فصلينا العتمة ثم جلسنا في البيت ونحن جماعة، فذكروا الحسين بن علي فقال رجل: ما من أحد أعان على قتل الحسين إلا أصابه عذاب قبل أن يموت، وكان في البيت شيخ كبير فقال: أنا ممن شهدها وما أصابني أمر أكرهه إلى ساعتي هذه. فطفئ السراج فقام لإصلاحه فغارت النار فأخذته فجعل يبادر نفسه إلى الفرات ينغمس فيه فأخذته النار حتى مات.
قلت: بل جمع له بين الاحراق والاغراق.
(وأخرج بيده تربة) أي قبضة من التراب (وقال فيها مضجعه) بفتح الميم والجيم ويكسر أي مقتله أو مدفنه، ورواه البيهقي من طرق ولفظ حديثه عن عائشة: إن جبريل كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حسين فقال جبريل من هذا فقال ابني فقال ستقتله أمتك وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها، فأشار بيده إلى الطف من العراق فأخذ تربة حمراء فأراه إياها.
وقال العلامة شهاب الدين أحمد الخفاجي المصري في " نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض " (ج 3 ص 191 دار الفكر - بيروت) قال:
(وأخبر) صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه البيهقي من طرق (بقتل الحسين) ابن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما (بالطف) بفتح الطاء المشددة المهملة وتشديد الفاء وهو مكان بناحية الكوفة (وأخرج) صلى الله تعالى عليه وسلم (بيده تربة) أي مقدار ملء كف من تراب أراه لبعض أصحابه وأهل بيته (وقال) إذا أخرجها (فيها) أي في أرض هذا التراب منها وفيها يموتويقتل (مضجعه) أي مصرعه إذ يقتل وجيمه مفتوحة وتكسر والأول أقيس وأفصح، وفي التعبير به إيماء إلى أنه رضي الله تعالى عنه حي شهيد لأن أصله محل يضطجع فيه النائم. وأصل الحديث عن عائشة رضي الله تعالى عنها: إن جبريل كان عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فدخل عليه الحسين فقال جبريل: من هذا؟ قال: ابني. فقال: ستقتله أمتك، فإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها، وأشار جبريل بيده إلى الطف من أرض العراق وأخذ تربة حمراء فأراه إياها. ولا ينافي ذلك ما جاء أنه يقتلبكربلا لأن كربلا اسم الموضع والطف ناحية تشتمل عليه. وكان قتله في عاشوراءوقتل معه جماعة من أهل البيت وقيل إن هذه التربة كانت عندهم وإنها في يوم قتله يظهر عليه دم، واختلف فيمن باشر قتلهقاتله الله وأخزاه وجعل سجين مأواه ولابن العربي هنا مقالة أظنه برئ منها.