حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ١٩١
وكان عثمان من رقة القلب، ولين الجانب، وبر الأرحام حيث لا يقدر على إخفاء الحكم الأموي لحظة واحدة. ولم تكن المعارضة التي بكر بها عمار، وبادر إلى تزعمها غير صدى ليقينه بأن عثمان مبكر بحماية بطانته من نبي أمية وبني أبي معيط، ولعلمه بأن نفوذ هؤلاء - خطر - أي خطر - على نظم الإسلام الاشتراكية سواء فيها نظم الاجتماع، ونظم الاقتصاد.
وقد بكر الحكم الأموي بالظهور كما قدر عمار فعلا.
وإليك هذه الأدلة المادية من أحداث اللحظة الأولى التي نقمتها جماهير المسلمين، ودعت عمارا إلى تزعم معارضتها، وإلى تلقي العذاب كما عهدناه بسبب هذه المعارضة.
حمل الخليفة عثمان من غرفة الشورى بعد البيعة إلى داره يشرب نخب النصر مع خاصته وحاشيته، لا إلى المسجد يعلن للناس منهجه ويشرك المهاجرين والأنصار بأمره، فكانت هذه البادرة ظاهرة لم يرتح الناس إلى استقبالها، ولم يطمئنوا إلى مدلولها، وربما شموا بها رائحة لم يألفوا شمها في الإسلام، ولعلهم رأوها أشبه بسيرة الملوك منها بسيرة الخلفاء، وهاهم يعلنون شكهم هذا، ويتحدثون عنه حديثا لاغطا لا حذر فيه، حتى يبلغ الخليفة، وحتى يضطره للعودة إلى الناس، والاعتذار إليهم بأنه جديد عهد بهذا الأمر، فليمهلوه حتى يتدبره ويترواه ويتعمقه، وسيفرغ بعدئذ إلى لقائهم، والتحدث إليهم، كما يحب ويحبون.
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست