علامة الهدى قد تعجب لكهل انصرف من عقده الرابع أو كاد، يسلط عليه من حز الحديد، ومن لفح النار، ومن ضغط الماء، عذاب نكر، فلا يستخذي للعذاب، ولا يحفل به، ولا يباليه بل يقبل عليه مرة بعد مرة في مرات كثيرة، مطمئنا له راضيا به، لكأن أطراف الأسنة، وألسنة النار، وضغط الماء أشياء من دغدغات حبيب تثير الرضا لا السخط، وتدعو إلى الاغتباط لا إلى الحزن وتحيي الرجاء لا اليأس.
وقد تعجب لشيخ ينصرف من عقده العاشر أو يكاد، يسلط هو على عدوه من سيفه نارا تشبهها النار، ومن عزمه حديدا أصلب من الحديد، ومن اندفاعه سيلا أعنف من السيل.
وقد يبطل عجبك من هذا وذاك، حين تعلم أن هذا الشيخ الفتى المستطيل، إنما هو ذلك الكهل الشاب المضطهد نفسه، وأن هذا الإنسان الراسخ في حاليه لم يستقبل الفتنة المنكرة كهلا، ولم ينزل فيها العذاب الشديد الغليظ عن بدنه، إلا من أجل عقيدة كانت ما تزال طرية الغرس في نفسه، وأنه لم يمتشق في شيخوخته سيفه العاصف المتأجج المرهوب