يوم السقيفة قال المحدث: وقد خير عمار بعد النبي بين الراحة والغنى، وبين الفقر والتعب، فاختار أشق الحياتين عيشا، وأثقلهما عبئا، وأوعرهما طريقا، وكان مع ذلك سليم العقل سديد الاختيار، موفق الرأي. كان الرجل من رفاق الإسلام الأولين، فهو يعرف أسرار حقه، وأهدى سبله، ثم لا يجهل ما عرف ولا يتنكر لما ألف، وهو رجل حق، فيه منه صلابته واندفاعه وعدم مبالاته بالأهوال والمشاق، وهو فوق ذلك مركز ثقل في نظر المسلمين يرون إليه من زواياهم المختلفة، ووجهاتهم المتباعدة علامة حق: تقتله الفئة الباغية. وهذا رصيد لا يضيعه رجل كعمار ثابت الإيمان، واسع المعرفة، راسخ العقيدة، بظاهر من الرخاء وقليل من العافية، ألم يكن ابن أول شهيدين في الإسلام، وأشد مسلم بلاء في المبدأ؟
إنه لن يسمح للتاريخ أن يسجل عليه ردة بعد إيمان، وأعرابية بعد هجرة، وضعفا بعد قوة، وانخذالا بعد نصر، إن آثار العذاب ما تزال منقوشة على ظهره بقعا برصا تضحك من أبي جهل وتهزأ به، ولم يمض عليها إلا عشرون سنة، أتراه احتمل