ثم لم يتفرق هذا الاجتماع العائلي الأول المحتفل بالنصر إلا بعد أن يعلن فيه أبو سفيان رأيه بالخلافة، ويضع فيه منهج الحكم الأموي المصمم في نفسه منذ عهد غير قريب. قال - وهو أعمى يومذاك -: هل في مجلسنا أحد نتقيه؟ فقيل له: انطلق على سجيتك أبا سفيان فقال: (تلاقفوها يا بني أمية، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم فوالله ما من جنة ولا نار) فيقر الخليفة قوله، ولا يعارض توجيهه إلا بضعف، إذا التزمنا القول المؤدب في التعبير عما تدل عليه هذه الكلمة من العلاقة بين الرجلين.
ولا يكتفي أبو سفيان بإعلان هذا المنهج العائلي، حتى يمشي به الحقد الثأري المستفز إلى قبر حمزة فيركله برجله ويقول: (إنهض أبا يعلى فقد صار إلينا الملك الذي حاربتنا عليه) في نزوة جاهلية لا نعرف في النزوات أنبض منها بالطيش، ولا أولع منها بالتشفي، ولعلك تلاحظ أن أهمية هذه الكلمة إنما تقوى، واعتبارها إنما يشتد، بكونها تعبيرا عن نوع الحكم، ومرآة لوجهه، ويكبر الظن أن أبا سفيان لو قالها بوصفه الشخصي لما قدر لها أن تحيا، ولأخذتها الرياح فيما أخذت من أحقاد تافهة، ورعونات جاهلة، ولكنه قالها بلسان الحكم، ولهجة الحاكم، فبقيت لتحسب فيما حسب من مخالفات العهد الخطيرة.
ثم انطلق حكم (أبي عمرو عثمان) من قاعدة أبي سفيان هذه مسرعا لم يستشر كتاب الله، ولا سنة النبي، ولا سيرة