أوضاع مكة درج الصبي عمار، ناضج الصبا، خامر الطفولة، يثب إلى النمو وثبا، ويسبق الزمن إلى اكتمال الرجولة واستيفاء الذكاء جميعا، وكأن ما بنفسه من طموح أعانه على القفز، وألغى عنه ما يفرض على غيره من حكم الزمن وانتظار إذنه في الانتقال من مرحلة إلى مرحلة، ومن دور إلى دور، ومن هيئة إلى هيئة.
وشب الصبي الكبير، فهو الآن يقرب من العشرين إن لم يكن بلغها بعد، ذو هدي ووقار وبر بوالديه، ورفق بعشرائه.
يعفي الناس من شره، ويعفيه الناس من شرورهم، فهو صامت غاديا وصامت رائحا، ذاهب في الجو من غدوه، ورواحه مطرقا يرفع نفسه عما يدنس غيره من سادة مكة وعبيدها، وبيضها وأحابيشها، ممن أبطرهم الغنى وأفسدهم الرخاء، ومال بهم الطيش إلى سفه ومجون وتشدق ووقوع في أقوات الناس وأعراضهم.
وحسب الذين تعودوا صمت (عمار) أنه صمت الغريب المستضعف يسبغه ويضيفه، فيحس إسباغه وإضفاءه أدبا في