كان أبو سفيان إقطاعيا مترفا من هؤلاء الاريستقراطيين الإقطاعيين المترفين الذين يرون لأنفسهم ولطبقتهم شرفا على الناس، فهم سادة وغيرهم عبيد. وكان ينظر إلى الإسلام من هذه الزاوية على أنه حركة نفعية، استخدمت مبادئها التطورية سلاحا لا يختلف بروحه عن اصطناع (الوثنية) في وقتها للنفع، فهذه المبادئ التي نادى بها محمد كالأصنام عنده، إنما تفرض على العامة والجماهير من الناس كي يستقيموا للسادة والأشراف ويخدموا الطبقات النبيلة لا أكثر، والفرق عنده بين الأداتين إنما هو بنتائجها، فهذه المبادئ أفضل لأنها أنفع وأنفذ وأخدم للرؤساء، فإذا لم تخدم الرؤساء، ولم تفرض نفوذ طبقتهم بطل نفعها، وذهبت فائدتها ووجب تبديلها بالنافع المفيد للنبلاء والرؤساء وطبقتهم. وكان له من واقع حياته ما يجنده لهذا النحو من التفكير، ويعين موقفه في هذا الصف، فهو زعيم (العير) وقائد المشركين، وسيد حزب مادي، في خصال إحداهن تؤكد فيه هذه النزعة وتريه من نفسه صنما فوق الأصنام. وكان له في موقفه هذا من دهائه، وأنصار مذهبه الطبقي، وتصارع الآراء والأحزاب على الحكم، كان له من هذا كله محرضات تمد له أسباب الطموح، وتوفر له وسائل التشبث.
ورجل من هذا الطراز، في مثل هذه الظروف، لا ينقاد بسهولة، ولا تتألفه مساومة رخيصة. ولكنه ينقاد ويطيع إذا طمع بنصيب من الحكم وراء هذا العطاء من (عربون) مطمحه