حليف مخزوم (عمار بن ياسر) - صدر الدين شرف الدين - الصفحة ١٨٩
وقد نفعته الصدمة الثانية نفعا عظيما لم يخطر بباله حين ثار لعلي، ولم يفكر به وهو يهيج بحوافز أنانية محضة، فكان وقع ثورته هذه عميقا في نفس أبي بكر وعمر اللذين أقاما من وزنها ما لم يقمه علي ولا أبه له، فهالهما منها ما قد تفتحه عليهما من نوافذ خطرة، وما تجره عليهما من مصاعب. فإذا كفاهما شرها اتزان علي، ورسوخ قدمه هذه المرة، فمن يقيهما شر أبي سفيان في غيرها من فرص الوثوب، وهذه (الردة) مكشرة الأنياب، طويلة الأظفار؟ تدارس أبو بكر وعمر هذه المشكلة دون ريب، واهتما بها اهتماما بالغا وحلاها، ذكر بعضه المؤرخون، ونسوا أهمه وأعمقه، اشتروا سكوته بالمال ولكن أبا سفيان لا يسكت في عهد العمرين بمثل ما أسكته في عهد النبي، ولا يرضيه من الحل نصيب من (النفقات السرية). ثم هو أدهى من أن يجعل في انتفاضه على أبي بكر وعمر سبيلا على نفسه، فإذا أكرهوه على السكوت كاد لهم في الظلام كيدا لا يعرفان كيف يتقيانه، فهما من أجل هذا مضطران إلى إرضائه بما يرضيه وراء (النفقات السرية) وما يدرينا فقد يلاقيانه، أو يلاقيهما في نقطة من النقاط، ألم تكن كل الأحزاب متفقة على (توسيع الأمر في قريش)؟ إن هذه التساؤلات تؤدي بنا إلى حل مشكلة أبي سفيان حلا أقرب إلى الواقع، ويكاد يجزم الجواب عليها، بأن ثمن سكوت أبي سفيان كان أثمن من هذا المال الذي تناوله من أبي بكر باسم (المؤلفة قلوبهم) وتناوله من عمر باسم (أشراف قريش) وأن
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»
الفهرست