ثمنه الحقيقي كان وعدا بالخلافة، يتناولها عثمان بعد عمر ويهيأ لها معاوية بشروط تعلن عنها الحوادث، ويجمجم بها قلم التاريخ، وما أظنها محتاجة إلى الإيضاح.
ومن الواضح أن الاتفاق على البدء بعثمان من بني أمية لم يكن في مصلحة الرجل، ولا نتيجة لثقة مرشحيه به، ولكنه كان ائتمارا عليه فرضته سيطرة الحكم النبوي التي لا تتحدى تحديا سافرا، ولا تصادم إلا بعد تمهيد دقيق، وتضحية دامية.
وللوصول إلى الهدف من هذه الخطة كان لا بد من قنطرة، وكان لا محيد عن خلق نقطة تحول تتكافأ فيها ردود الفعل، ويتوازن فيها الغرم والغنم، كان لا بد لهذه الخطة من صحابي يمتاز برقة القلب، ولين الجانب، والبر بالأرحام، يضعونه في الصف الأمامي من الهجوم المنوي، ويجردون في ظله على الحكم النبوي ما يجردون من مخالفات، متوقعين رد فعل يذهب بالخليفة المجند لهذا الغرض، فإذا ذهب هيأوا من دمه رد فعل آخر ينشئ التوازن المطلوب، وينتهي الأمر إلى أبي سفيان في شخص ابنه الرابض في دمشق. ولولا وجود عثمان هذا الشيخ الطيب لتعب القوم دون الحل أشد التعب، ولكنه رحمه الله كان مخلوقا لهذا الدور، فكان سلما لمن بعده، وقصيدة ثناء على من قبله.
قال المحدث: يزعم المؤرخون أن الحكم الأموي استتر ست سنين خلف عثمان قبل ظهوره مستبدا عاطفيا مستأثرا.
وها أنت تراه متحفزا قبل خلافة عثمان بضعف هذه المدة،