المبدءان إلا على ما ينطوي تحتهما من حرية يقابلها استبداد، ومن عدل يقابله ظلم، ومن مساواة يقابلها أثرة، ومن غيرية تقابلها أنانية، ومن جماعية تقابلها فردية.
وماذا تنتظر من عمار غير أن يعارض حكما يتولاه عثمان؟
وعمار هو الذي عرفته لا يقطع عليه صمته الطويل إلا التعوذ من فتنة يتوقعها، وماذا تنتظر منه؟ وهو لا ينسى تهديد عثمان إياه على مقربة من النبي يوم بناء المسجد، ومن ذا الذي يحمي أنفه وآناف أمثاله من عصا عثمان وسوطه، إذا ولي الأمر؟
ذكر عمار أنه جلدة ما بين عيني النبي، وأنه جلدة أنفه، وأنه يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، وذكر بلاءه في الإسلام، وصدق تحمله للعذاب في سبيل الله، فاتخذ ما فرضته عليه هذه الذكريات الكريمة من موقف حاسم، وما ألزمته به مبادؤه من معالنة بالرأي، ودعوة إلى الحق مما يشتور به الخاصة وتختلف فيه العامة، فإذا هو ينادي أهل الشورى من مكانه بين الجمهور: إذا أردتم أن لا يختلف الناس فبايعوا عليا، ويتابعه المقداد فيقول: صدق عمار. إن بايعتم عليا سمعنا وأطعنا. ويعلو صوت عبد الله بن أبي سرح - وهو منافق أنزل الله بنفاقه قرآنا -: يا معشر أهل الشورى بايعوا عثمان إن كانت لكم حاجة بأن نسمع ونطيع، فيشتمه عمار، ويقول له:
ما أنت وهذا أيها المنافق؟ إن الله والناس يعلمون أنك ما زلت تكيد للإسلام، وتبغي له الشر. ويتصدى لعمار نفر من أمية،