حقوق الخليفة، ولكن نظرتنا إلى هذا الحادث مضللة ضللها ما ألفناه من عدوان الحكام، وزيف رجال الدين الذين لا يتورعون عن اختراع فتاوى تصحح العدوان لقاء أجر، أو دفاعا عن عدواناتهم التي تفوق عدوان الحكام بما تتخذ من أساليب الخداع المنطلي على السذج والبسطاء من الجماهير، وأما الجمهور الواعي المعاصر لتصوين (الحمى) فقد رأى في هذا الحادث الصغير خطبا فاجعا وغزوا يهدد حقوقهم وأموالهم بالاحتكار الأموي، لأنهم نظروا إليه من حيث يجب أن ينظروا إليه، نظروا إليه من مصدره المبدئي فرأوه خلاصة الخطر المتجه من كل النواحي إلى جنتهم يفسد نعيمها، ويخيف أمنها، ويشوه جمالها، ولم يخطئوا النظرة فلم تمض أيام طوال حتى رأوا للخليفة قصورا قيصرية سبعة تنهض في المدينة، ورأوا لمروان مثلها في (ذي خشب) تطل بهذا (الوزغ) على سوق يضارب فيها بأموال المسلمين متسلقا إلى خزائن (قارون) تسلقا سريعا مدهشا، ورأوا عين سعيد بن العاص أمير الكوفة تمتد إلى (السواد) من بساتين المجاهدين، ومزارع الفرات، ورأوا ابن أبي سرح يستغل إمارة مصر للاستئثار بخيرات النيل، وثروات العمال والفلاحين، ورأوا غير هؤلاء من صبيان (أمية) وغلمان (أبي معيط) يستبدون هنا وهناك استبدادا سافرا لا يعفون منه عن دين ولا عرض، ولا مال، على نحو حقق كل مخاوفهم التي أثارتها نظرتهم إلى احتكار (الحمى) الذي كان (قاطرة) جرت خلفها كل حافلات الشر.
(٢٠١)