تأديبه عند هذا الحد، حتى أعلن عثمان تحريم مجالسته، وأوجب نبذه وأبرأ (الذمة) ممن يكلمه أو يعاطيه معاطاة مواطن يتمتع بحقوقه الاجتماعية!.
وما لي أتسلف الأحداث؟ إن هذه حادثة لم تقع بعد، أما الذي وقع فحماسة عبد الرحمن لتأمير عثمان، وصفقه على يده معلنا خلافته، ونهوض علي وهو يعلن لعبد الرحمن خطأه، ويشير إلى ما سيكون بينه وبين عثمان من شر.
ولم تكن أخبار الغرفة مكتومة عن الجمهور الذي كان يلتطم في انتظار النتيجة، ويراقب سير الانتخاب أشد ما يكون لهفة وحماسة وتلظيا، فقد كانت تخرج إليهم متأرجحة، يتهلل لها وجه عمار تارة، فيعبس وجه ابن أبي سرح ويصرخ ناقما متهددا ثائرا، ويتهلل وجه ابن أبي سرح تارة أخر فيعبس وجه عمار ويصرخ ناقما متهددا ثائرا، ولا يتناقض هذان الوجهان وحدهما في الميدان، بل تتناقض وراء كل منهما وجوه متراكبة متحاشدة ممتدة إلى أقصى النظر، تقول من هنا في حماسة: القول ما يقول عمار، وتقول من هناك في حماسة: بل القول ما يقول ابن أبي سرح، وقد رأى من شهد الموقف أن الصراع بين الفريقين لم يكن صراعا شخصيا، وإنما كان صراعا بين عقليتين: علي رمز إحداهما، وعثمان رمز الثانية، وليست المعركة في وجهها الصحيح غير هذه المعركة التي يتقابل فيها مبدأ الخلافة ومبدأ الملك، أو مبدأ الحكم الشعبي، ومبدأ الحكم المطلق، ولا يقتتل هذان