وما كان هؤلاء وحدهم في الميدان، فقد كانت عامة المستضعفين على مثل هذه الحال من الارتباك والحيرة، وكان الحزب الأموي في الأقوياء على هذا الرأي من زاوية أخرى، وكان الأنصار أنفسهم هؤلاء الذين بايعوا أبا بكر على هذا الرأي، وكانوا يقولون لو داهمنا علي وداهم أبا بكر في السقيفة لما اختلف عليه اثنان، كانت المدينة كلها على هذا الرأي، وكل هؤلاء لم يكادوا يصدقون حدوث ما حدث ولم يكن المتآمرون على حق علي يتوقعون تطورا يؤدي إلى مأساة كهذه المأساة التي عقائد، وطاشت بعقول، ولكن مؤامرات المتآمرين لزمتهم فسكتوا مكرهين، وساعدهم على السكوت طاقة التضحية الهائلة التي لمسوها في علي، وكان الارهاب كافيا لإسكات الجماهير بعد ذلك.
لم ينفرد إذن عمار بهذه الحيرة المستبدة القاسية، ولم تقتصر مشاركته في هذه الحيرة على صاحبيه وغيرهم من شيعة علي، بل عمت المدينة كلها، وساعد عمر بدوره على تعميمها فأخطأ بخطته هذه، بمقدار ما أصاب في الميزان السياسي بوقفته من وفاة النبي. أراد أن يحمل عليا على البيعة، فحمله علي على أن يحشد أكثر ما يمكن من حشد الناس، وأراد عمر أن يري هذا الحشد قوة العهد الطالع، فأرى علي الحشد ظلم هذا العهد، وأراد عمر أن يرى عليا مبايعا، فأراه علي أنه مخطئ، وأراد عمر أن يصغر من قدر علي ويقلل من هيبته، فازداد علي في نفوس الناس رفعة ومهابة، وأراد عمر أن يسدي