ولم ينفرد عمار بهذا الذهول فقد ذهل سلمان الفارسي وهو ما هو رسوخا في المعرفة، أقبل عمار إخوانه على أميره وهو معتقل وراح يحدق بوجهه فرآه صافيا لا يشير إلى اشتباك، ولا يأمر بخصومة، صفق سلمان أول الأمر حسرة على الأمة، وقال (أسلموا وما أسلموا) ثم عاد يحدق بوجه أميره فيراه صافيا، فينقلب حائرا ذاهلا ولا يلبث حتى يجد الكلمة التي تخرجه من مأزق عمار فيقول: (ما أنا وذا، لو شاء لقلب ذي عل ذه) لا مغاليا بل معبرا على قدرة علي على النهوض لولا خشية الفتنة، ويتابع فيفسر غرضه بقوله: " ويحهم لو بايعوه لما اختلف منهم اثنان " (1).
والمقداد لم يكن أقل من أخويه ذهولا وحيرة، أقبل معهما كما أقبلا وكما أقبل غيرهما، فنظر في وجه أميره، فرأى وجه الأمير صافيا لا يبشر إلى اشتباك ولا يأمر بخصومة، فطارت عيناه من وجهه، ثم غاصت في صدره، وراحت حدقتاه تضيقان وتتسعان، وتدوران وتعودان إلى وجه أميره عسى أن تبدو على ملامحه إشارة إيعاز أو إيماء فتك، ولكن الوجه الكريم صاف منبسط كالعهد به، والمقداد يهرول وعيناه شاحبتان تنتظران الإشارة من وجه علي، ووجه علي بسام لا أثر فيه لخصام.