انتهى إلى غايته يوم رقى الحكم، وأدى به إلى الموت قتلا على يد حزب أو أفراد تبناهم بقصد أو غير قصد. ومن المحقق أن عمر لو لم يشغل الناس بالحرب منتفعا بمغزى بعث أسامة، ولو لم يؤيده علي بالتعاون معه على تحقيق المصلحة العليا، لأسرع إليه يومه قبل يومه من أبي لؤلؤة، ومن المحقق كذلك أن عمر لو سلم من أبي لؤلؤة وامتدت أيامه زمنا من بعد ذلك لوجد الناس غير الناس، ولامتحن منهم ببلاء شديد، ولوجد غلطته هذه وذيولها مصدر عنائه، ولكن الحظ واتاه فاشتغل الناس بالحرب والفئ، ثم واتاه بمصرعه على يد هذا الغلام المجرم، ومما يحمد في هذا المصير - لو كان لإجرام أن يحمد - أنه أنقذ أبا حفص وأنجاه من خطوب قد لا تمسك عليه هيبته لو أدركها.
ولم تخف هذه الغلطة على أبي بكر، فإذا زينتها الاندفاعة له أول الأمر، فقد جسدت له خطأها النتائج التي لمسها بارتداد قوم مسلمين، وعصيان آخرين من المؤمنين اعتصموا بالإسلام ولكن امتنعوا عن المساهمة بتمويل الخزينة، منكرين شرعية البيعة، كما رفض في المدينة عطاءه ناس كثيرون من نساء ورجال، معتبرين عطاءه رشوة في الدين، في أمور كونت في نفسه من هذه الغلطة عقدة ألحت عليه بالندم حتى مات وأشباح هذه الغلطة نصب عينيه مخيفة هائلة، وما مات إلا وهو يتمنى لو سلمت حياته من أمرين: اقتحام دار علي، وتحمل مسؤولية الحكم يوم السقيفة.