أنه لا يجهل أن أبا الفضل يدين لابن أخيه بالرئاسة، ويعطيه من نفسه الخضوع. فإذا تقدم إليه بالعرض، وبذل له البيعة قال له العباس: أصلحك الله - أبا سفيان - ألا تعلم أن ابن أخي أمير علي؟ توجه إليه بما تقدمه إلي أكن معك، فقال أبو سفيان: ولكنه رفض. فضحك العباس وقال: لقد تقدمت إليه قبلك بالبيعة فأباها لأن النبي عهد إليه بالصبر، وهو مقيم على عهد الرسول يضحي بمنصبه ليحفظ الإسلام، ويطبق مبادئه، ولا يسع العباس أن يطلب شيئا يرفضه علي.
وكان يعلم أبو سفيان أن النصر في يومه ذاك لا يرجى إلا بعلي، وكان من الطبيعي أن يعود إلى حزبه بعد رفض علي بتوجيه جديد في انتظار فرصة جديدة منكفئا إلى حجره، ويأتي عمر إلى هاتين الحلقتين فيحملهما على البيعة، فتبايعان معتقدتين أن قعود علي كان أقوى دعامة في بيعة أبي بكر. وقد لا يجهلون أن سبب قعوده إنما هو الحرص على الوحدة في مواجهة المرتدين من العرب خارج المدينة، وأنه لو نهض لانشغل بجاد الحزب الظافر، وأشغل الحزب الظافر في تلك الجبهات المفتوحة، ومكن آخر الأمر للردة أن تجتاح المدينة وتطفئ نور الإسلام، فكانت مصلحة الإسلام عنده مقدمة على حقه الذي أقعده عنه هذا الظرف الدقيق الحرج.
بقي النبي مسجى يومين والناس يختلفون على ميراثه، ويتقارعون بالحجج والسياط باسمه، وهو لقى بين وارثيه الحقيقيين. نساؤهم يلتدمن وينحن، ورجالهم يذكرون الله