حزنه وترفعه وقراءته وربما جرؤ بعضهم أو تقدموا إليه بأجمعهم يحركونه، ويستأذنونه بالحركة واجدين في أنفسهم القوة على خوض المعركة والنصر فيها، ولكنه يشكمهم بحزن قائلا: حسبنا سلامة الدين. ولعله أعلم منهم بقدرته على خوض المعركة، ولكنه أحس منهم كذلك بالمسؤولية الكبرى وأعرف بنتائج المعركة التي كان يختصرها بقوله: حسبنا سلامة الدين.
ولم تكن النقمة على إغفال الناس والإسراع إلى الأخذ بناصية الحكم على غرة محصورة في بني هاشم من قريش، بل كانت شائعة في السواد من المستضعفين الذين أخذوا بالشدة والعنف والإرهاب، وفي أشراف قريش ممن يرون أنفسهم أولى من تيم: إخوان أبي بكر وعدي: فخذ عمر، وأحق بالتقديم على هذين إذا كان لا بد من تأخير علي.
وارتد التفكير يومئذ، أو برز على حقيقته - بتعبير أدق - عشائريا محضا يجتر عصبياته الأولى، وذلك أخشى ما خشيه علي فألزمه بالتضحية وأرضاه بالقعود، وليس أحد أعلم من أبي بكر وعمر بهذه الخصلة العلوية التي استغلاها أبعد استغلال عن الرفق والهوادة. كان الحزب الأموي، وهو يمالئ غيره من الأحزاب على إقصاء علي، يرجو أن تؤاتيه الفرصة كما رجا الأنصار لأنفسهم مثل ذلك. فينصب عثمان إذا أزف الوقت أو عبد الرحمن بن عوف وأبو سفيان وراء أحدهما، وكان يظن أن المنافسة ستعرض في ميدان أوسع من هذا الميدان