عن بيعة علي - أن يجمح بهم، ويضعضع حواسهم، كي يمكن لأبي بكر أن يضع يده على أزمتهم بمثل هذه السهولة، وما شككت في شئ فلا تشك بأن نجاح أبي بكر في السيطرة على الموقف إنما كان - في أقوى اعتباراته - نتيجة لموقف عمر، فلو لم يثر عمر شبهة الإشاعة على هذا النحو الخشن المستهجن الذي لا يستطيع الجمهور رفضه ولا قبوله ولا محاكمته في مثل هذه البغتة، لو لم يصنع عمر هذا الجو العجيب، لما كان لموقف أبي بكر من الصدى ما يجعله رجل هذه المناسبة، ولعل كلامه الذي طلع به، لو جرد من الصناعة العمرية، لا يزيد على كلام أي فرد من أفراد الجمهور إذا ارتفعت عنه هولة الحيرة التي سلطها أبو حفص، فالجمهور كان واثقا من موت النبي، ولم يكن أحد منه متخذا من محمد وثنا، فليس فيهم إلا المسلم العارف من الإسلام بقدر ما طلع به أبو بكر عليهم. هم موحدون، ومحمد رجل منهم يمتاز بالنبوة، وكلهم آسف محزون لفراق نبيهم، يأسفون ويحزنون ثم لا يزيدون، ولا يفكرون بشئ من الانقلاب على الأعقاب، ولكن عمر جاء فافترض هذه الشبهة، وجعل من موت النبي موضوع إشاعة، وبنى عليه ما بنى من موقف، مخترعا هذه الأشياء اختراعا ليلعب بالجمهور فيصده عن علي، ويسوقه إلى أبي بكر ليس إلا. وقد نجح بفطرته أعظم نجاح يصل إليه سياسي فرغ من علمي السياسة والاجتماع، وبرع بتطبيق أدق قواعدهما، ولعل لروح المغامرة يدا في هذا
(١٢٤)