وإنما المقصود عقد الايجاب، وهو إعطاء الرخصة بالتصرف في مال اليتيم إذا كان في التصرف مصلحة، فيكون مخصصا لما دل على عموم حرمة التصرف في مال الغير، إنما الكلام في مقدار تلك الرخصة وحدودها حسبما يستفاد من الآية، فإن محور البحث والنظر يدور من هذه الجهة على تشخيص المراد من لفظ (الأحسن) وهل هو من أفعال التفضيل نظير:
الصلاة خير من النوم؟ أو صفة مشبهة نظير: النوم خير من الله؟!
وعلى الأول، فهل المراد الأحسن بقول مطلق؟ أي ما لا أحسن منه، أو الأحسن نسبيا أي الأحسن من تركه وإن كان غيره أحسن منه؟
وعلى الثاني، فهل المراد منه ما اشتمل على مصلحة؟ أو يكفي خلوه عن المفسدة، بناء على أن كل ما ليس بحرام فهو حسن؟
ثم لما انتهى الكلام إلى هذا المقام طلب بعض الحضور تغيير الموضوع ونقل البحث إلى مسألة من المسائل الاعتقادية وأساسيات أصول الدين، فأوصل سماحته الكلام اقتضابا من غير روية ولا تمهل، ونقل البحث إلى مسألة الحاجة إلى الأنبياء وضرورة البعثة فقال:
إن النظر في عامة أحوال البشر يدل على أن أوضح صفاته، وألصقها فيه، وأقدمها عهدا به هي الخلال الثلاث التي لا يجد عند محيصا، ولا منها مناصا، مهما كان، ألا وهي: الجهل، والعجز، والحاجة، وهذه الصفات هي منبع شقائه، وأصل بلائه، وكلما توغل الانسان في العلم والمعرفة تطامن للاعتراف بما توصل إليه من العلم بعظيم جهله، وأن نسبة معلوماته إلى مجهولاته نسبة القطرة إلى المحيط، وكان أكبر علمه جهله البسيط.
وقد سئل أفلاطون حين أشرف على الرحلة الأبدية عن الدنيا فقال: ما أقول في دار جئتها مضطرا، وها أنا أخرج منها مكرها، وقد عشت فيها