الحرام] (1).
ومن هذا القبيل آية العنوان التي هي من براعة الصنعة وأبداع البيان بمكان، وحيث أن النهي لا يتعلق بالأعيان رأسا، بل لا بد من توسيط فعل مقدر في البين يناسب تلك العين، فإذا قيل: حرمت أمهاتكم عليكم، يعني: العقد عليهن، وإذا قيل: حرمت الخمر، يعني: شربها، وإذا قيل:
حرم الميسر والقمار، يعني: اللعب بهما، وهكذا يقدر في كل مكان ما يناسبه، بل أظهر ما يتعلق به من الأفعال التي تطلب من تلك العين، ومما هي معدة له، فلا يراد من قول (حرمت الخمر) حرمة كل الأفعال التي يمكن أن تتعلق بها، فيحرم لمسها أو النظر إليها أو التداوي بها وهكذا.. كلا، بل ليس المراد إلا حرمة شربها.
وعليه فيكون المراد والمعنى بالآية التي في العنوان: لا تتصرفوا في مال اليتيم التصرفات المطلوبة عند العقلاء من مال التجارة في بيع، أو شراء، أو صلح، أو رهن، أو إدانة، أو غير ذلك.
والغرض أيضا بهذا النحو من البيان شدة التحذير، والنهي عن التصرف في مال اليتيم، وأن قربه لا يجوز، فكيف الوقوع فيه؟!
وليس المراد النهي بوجه عام عن التقرب لمال اليتيم، بحيث يكون المعنى والمقصود النهي عن المعاملة بمال اليتيم بوجه مطلق من رفع أو وضع أو فعل أو ترك إلا بالتي هي أحسن، أما حيث لا تريدون التصرف فلا شئ عليكم، وإن كان التصرف أحسن بخلافه على الوجه الثاني فإن مفاده لزوم التصرف بالأحسن يؤيد الحكم الضروري من حرمة التصرف بمال الغير مطلقا صغيرا أو كبيرا بغير إذنه، وليس هو المقصود أصالة بالبيان بالضرورة،