أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - الصفحة ٦٥
ومشقة الاستقصاء، ومحدودية المدى المتاح تاركا عبء ترجمة هذا الطموح للدراسات الخاصة بهذا الأمر، لأني وجدت عند البحث قصور التراجم المحدودة للشيخ كاشف الغطاء عن احتواء الكثير من الأبعاد الخاصة به - مع إقراري بجدة البحوث، وصدق النوايا، ومبلغ الجهود المبذولة - رغم كون الفاصلة الزمنية بيننا وبين عصر المترجم رحمه الله تعالى لا تمثل بونا شاسعا تتثاقل الخطا عن تجاوزه، وتتوه النفوس عن تلمسه، بل هو أيسر الآن من أن يترك فتتقادم عليه السنون، وتسدل عليه ستائر النسيان، فتضطرب في التحدث عنه الروايات كما يتلمسه الباحثون عن سيرة الكثير من رجال هذه الأمة وعظمائها.
ومن ثم فسأحاول من خلال هذه الصفحات الإشارة العابرة، واللمحة الخاطفة عن بعض مواقف الشيخ رحمه الله تعالى، بإيجاز واختصار:
1 - الجهاد ضد الاستعمار البريطاني:
حين امتدت ذراع الأخطبوط البريطاني المستعمر نحو الأراضي العراقية - في سعيه المحموم لابتلاع وازدراد خيرات تلك المنطقة، بدعوى منازلة الدولة العثمانية التي قادتها تخبطاتها الرعناء نحو جملة خطرة من المزالق والمهالك المتكررة - كانت مخيلة الساسة البريطانيين قد صورت لهم حتمية اصطفاف الشيعة يتقدمهم علماؤهم إلى جانب تلك القوات الغازية، لإدراكهم (أي البريطانيون) عظم المحنة التي ابتلي بها الشيعة من رجال تلك الدولة وقادتها الذين أنشبوا أظفارهم بحمق في جسد هذه الطائفة المستضعفة دون رحمة أو شفقة، وبإصرار عجيب، وتعنت غريب، كان أعظمه في إفتاء شيخهم آنذاك بحلية دم الشيعي (1)!

(1) نعم لقد ذكر بأن الشيخ نوح الحنفي هو الذي أفتى - على ما هو مثبت في باب الردة والتعزير من الفتاوى الحامدية وتنقيحها، والممضاة من قبله - بكفر الشيعة! ووجوب قتلهم! بما نصه: إعلم أن هؤلاء [أي الشيعة] الكفرة البغاة الفجرة! جمعوا بين أصناف الكفر والبغي والعناد! وأنواع الفسق والزندقة والالحاد! ومن توقف في كفر هم وإلحادهم، ووجوب قتالهم، وجواز قتلهم فهو كافر مثلهم!... إلى آخر تخريفاته وسخافاته الدالة على انحرافه وسقوطه.
ولا أدري بم يعتذر به يوم القيامة بين يدي الله عز وجل، وحيث قتل نتيجة فتواه هذه التي جاءت استجابة لرغبة سلطان السوء سليم الأول، الذي دفعه عداؤه المستحكم للشاه إسماعيل الحاكم آنذاك في إيران، والذي نصب نفسه حاميا للمذهب الشيعي - عشرات الألوف من رجال الشيعة ونسائها، دون أي ذنب وأي جريرة، إلا لأنهم شيعة فحسب.
فقد ذكر أن السلطان سليم قتل في الأناضول وحدها أربعين - وقيل: تسعين ألفا من الشيعة، بل وذكر أن مدينة حلب التي كانت عاصمة الدولة الحمدانية، ومن مراكز تجمع الشيعة لم يبق فيها شيعي واحد! فتأمل.
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»
الفهرست