إن دعواتنا المتواصلة بوجوب فهم عقائد الشيعة بشكل سليم - دون التقوقع في الحدود المصطنعة التي رسم ويرسم أبعادها الآخرون ممن تدفعهم إلى ذلك أغراض ومآرب خاصة، أو ممن يعتمدون في ترتيب أحكامهم على الفهم السطحي والساذج لتلك العقائد - هي أنجع المسالك في طريق السعي نحو التقريب الذي كان ولا زال يدعو إليه المخلصون من رجال هذا الأمة، شيعة وسنة، عسى الله تعالى أن يلم شتات هذه الأمة لتكون مصداق قوله سبحانه: [خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله] (1).
وإذا كان البعض ممن لا يروقه التصريح ويتعمد المواربة والمخاتلة في الإشارة إلى مواطن الداء التي أبتليت بها الأمة، تصورا منه أن ذلك أنجع الطرق المؤدية نحو التقريب والتقارب، والوحدة والتآلف، فإن ذلك وهم تصوره حالة الإنخداع بالاختلاف المضخم والمبالغ فيه من قبل مروجي هذا الاختلاف والمزمرين له، فيضطر المصلحون إلى تجاوز هذه العثرات دون تأمل ونظر باعتقاد كبر حجمها، وتعاظم قدرها، ويسير على منوالهم الآخرون وهم يكتنزون في مخيلتهم اعتبار سعة الهوة، وبعد المسافة بين الفريقين، وذلك هو أس الداء، وأصل العلة.
نعم، إن ما يلتقي به الجميع هو أكبر وأعظم من أن نتجاوزه لنفترض استحالة الالتقاء والتقارب، والإشارة المشخصة لموطن الاختلاف أيسر سبيل لإدراك ماهية ذلك الاختلاف، وكيف يمكن أن نتجاوزه وصولا إلى تلك الأمنية الغالية على قلوب المخلصين من هذه الأمة المنهكة القوى، والمستلبة العز والكرامة التي منحها إياه هذا الدين العظيم، فتخاذلت عنه،