[87] - 18 - قال المفيد:
فلما كان من الغد حجب الناس عنه وثقل في موضعه وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يفارقه إلا لضرورة; فقام في بعض شؤونه، فأفاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) إفاقة فافتقد عليا (عليه السلام) فقال وأزواجه حوله: ادعوا لي أخي وصاحبي وعاوده الضعف فأصمت، فقالت عايشة ادعوا له أبا بكر! فدعى فدخل عليه وقعد عند رأسه فلما فتح عينه نظر إليه فأعرض عنه بوجهه فقام أبو بكر فقال لو كان له إلي حاجة لأفضى بها ألى; فلما خرج أعاد رسول الله القول ثانية وقال: ادعوا لي أخي وصاحبي فقالت حفصة ادعوا له عمر فدعى فلما حضر ورآه رسول الله أعرض عنه فانصرف، ثم قال: ادعوا لي أخي وصاحبي فقالت أم سلمة رضى الله عنها: ادعوا له عليا (عليه السلام) فإنه لا يريد غيره فدعى أمير المؤمنين (عليه السلام) فلما دنى منه أومأ إليه فأكب عليه فناجاه رسول الله طويلا، ثم قام فجلس ناحية حتى أغفى رسول الله (صلى الله عليه وآله). فلما أغفى خرج فقال له الناس: ما الذي أوعز إليك يا أبا الحسن؟ فقال: علمني ألف باب من العلم، فتح لي كل باب ألف باب، وأوصاني بما أنا قائم به إن شاء الله تعالى.
ثم ثقل وحضره الموت وأمير المؤمنين (عليه السلام) حاضر عنده. فلما قرب خروج نفسه قال له: ضع يا على رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله تعالى فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري وصل على أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي واستعن بالله تعالى، فأخذ علي (عليه السلام) رأسه فوضعه في حجره فاغمي عليه، فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل ففتح رسول الله (صلى الله عليه وآله) عينه وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه، ولكن قولي: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) فبكت طويلا فأومأ إليها بالدنو منه، فدنت منه فأسر إليها شيئا تهلل وجهها له.