عبيد الله في الليل إلى معسكر معاوية في خاصته وأصبح الناس قد فقدوا أميرهم فصلى بهم قيس بن سعد رضى الله عنه ونظر في أمورهم فازدادت بصيرة الحسن (عليه السلام) بخذلان القوم له وفساد نيات المحكمة فيه بما أظهروه له من السب والتكفير له واستحلال دمه ونهب أمواله ولم يبق معه من يأمن عوائله إلا خاصته من شيعة أبيه وشيعته وهم جماعة لا تقوم لأجناد الشام.
فكتب إليه معاوية في الهدنة والصلح وأنفذ إليه بكتب أصحابه الذين ضمنوا له فيها الفتك به وتسليمه إليه فاشترط له على نفسه في إجابته إلى صلحه شروطا كثيرة وعقد له عقودا كان في الوفاء بها مصالح شاملة فلم يثق به الحسن (عليه السلام) وعلم باحتياله بذلك واغتياله غير أنه لم يجد بدا من إجابته إلى ما التمس من ترك الحرب وإنفاذ الهدنة لما كان عليه أصحابه مما وصفناه من ضعف البصائر في حقه والفساد عليه والخلف منهم له وما انطوى عليه كثير منهم في استحلال دمه وتسليمه إلى خصمه وما كان من خذلان ابن عمه له ومصيره إلى عدوه وميل الجمهور منهم إلى العاجلة وزهدهم في الآجلة. فتوثق (عليه السلام) لنفسه من معاوية بتوكيد الحجة عليه والإعذار فيما بينه وبينه عند الله تعالى وعند كافة المسلمين واشترط عليه ترك سب أمير المؤمنين (عليه السلام) والعدول عن القنوت عليه في الصلاة وأن يؤمن شيعته رضى الله عنهم ولا يتعرض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كل ذي حق منهم حقه فأجابه معاوية إلى ذلك كله وعاهده عليه وحلف له بالوفاء به فلما استتمت الهدنة على ذلك سار معاوية حتى نزل بالنخيلة وكان ذلك يوم الجمعة فصلى بالناس ضحى النهار فخطبهم وقال في خطبته:
إنى والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون. ألا وإني كنت منيت الحسن أشياء وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له.
ثم سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياما فلما استتمت البيعة له من أهلها صعد المنبر فخطب الناس وذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) ونال منه ونال من الحسن (عليه السلام) ما نال وكان