" لما بعثني الله تعالى برسالته ضقت بها ذرعا، وعرفت أن من الناس من يكذبني " (1) فأمسك عن الدعوة حتى نزلت عليه الآية.
ذكرنا فيما سلف أن سورة المائدة هي من بين آخر السور التي نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله) إن لم تكن آخرها (2). فما الذي كان يريده الله سبحانه من قوله: (بلغ ما أنزل إليك)، ولم ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله) شيء بعد؟ وما الذي كان يخشاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويمنعه عن الإبلاغ ولما يواجه المشركون بعد آية أو آيات من تلك التي تقض مضاجعهم، وتبعث فيهم النقمة والاهتياج!
إن هذا الذي يزعمونه لا يليق بمبلغ عادي، وهو ليس خليق بإنسان متوسط الحال لا يزال في أول الطريق، أفيجوز على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك القلب المجدول إلى السماء، الموصول بالله أبدا؟ وهل يتسق مع خطاه الراسخة وتلك الإرادة الصلبة التي لا تعرف الوهن!
أما ما ذكروه من أن الباعث على نزول الآية هو ما كان من حراسة أبي طالب عم النبي لرسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ إذ بنزول الآية طلب النبي إليه أن يكف عن الحراسة بعد أن وعد الله سبحانه بعصمته وحمايته (3)؛ فإن فيه بالإضافة إلى ما تمت الإشارة إليه في نقد الرؤية الأولى، أنه يتعارض مع الواقع التاريخي الصادق. فهذا الواقع خير دليل على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ظل يحظى بالحراسة سنوات خاصة في المدينة، وليس ثمة شاهد أقوى على ذلك من وجود " أسطوانة الحرس ".
2 - إخفاء بعض القرآن خوفا من المشركين!