في ذلك السفر عاد النبي (صلى الله عليه وآله) يؤكد ما سبق أن أعلنه للأمة في ذلك العام بالكناية والتلميح تارة، وبصراحة ووضوح تارة أخرى، من أن هذه السنة التي يمضيها بينهم هي آخر سني عمره الشريف.
لهب متأجج راح يسكن النفوس، ولوعة متفجعة راحت تتدافع في الصدور لهذا النبأ المرتقب، حملت المسلمين على موج من التطلع والشوق لنبيهم، والى أن يستفيدوا ويتعلموا ويزدادوا من معلمهم العظيم ما وأتتهم الفرصة المتبقية لذلك.
والنبي أيضا هاجت به أشواقه، وفاض به حماسه الطهور لهذا الحضور المتألق بين أفواج المسلمين في هذا الموكب المهيب، وبانتظار تبليغ كلمة هي آخر كلمات السماء وأهمها على الإطلاق، وإيصال رسالة هي الأكمل والأخطر.
حماس عارم من الأمة، وترقب نبوي يشوبه التوجس لنبأ عظيم حانت لحظته أو كادت. هذا هو المشهد الذي انتهت إليه حجة الوداع.
المسلمون يعودون بعد انتهاء الموسم، يسلك كل فريق السبيل الذي يؤدي به إلى أهله وسكناه، لكن في وادي غدير خم، وقبل أن تفترق بهم الطريق إذا صوت السماء يقرع فؤاد النبي، وإذا الوحي يأتيه من فوره، ملقيا عليه الأمر بحزم: (يا أيها الرسول بلغ).
التأمل في سياق الآية وما فيها من شدة وتصميم على الإبلاغ، وما تنطوي عليه من تحذير جاد، كل ذلك لا يدع مجالا للشك بأن الرسالة هي من الخطورة بمكان، وإن عملية الإبلاغ تقترن بالتوجس نظرا لمحتوى الرسالة وملابسات الموقف.