من غير مبالاة منه بهم " (1).
إن ما صرح به الفخر الرازي من أن الروايات في هذا القول - الأخير - كثيرة، لهو أمر ثابت وصحيح. بيد أن الذي يبعث على الدهشة هو حال أولئك المفسرين والمحدثين والمتكلمين الذين لا ينصاعون إلى كل هذا الحشد من الروايات، ولا يذعنون إليه، بل يجنحون إلى معاذير وتفسيرات لا تلتئم والواقع التاريخي، ولا تنسجم مع شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو تتواءم مع سيرته الوضيئة، وتتوافق مع خطاه الراسخة في إبلاغ الحق.
نزول الآية في واقعة الغدير لإبلاغ الولاية يتضح مما سلف؛ واستنادا إلى الروايات والأخبار الكثيرة التي أوردنا نصوصها، أن آية الإبلاغ نزلت في غدير خم للثامن عشر من ذي الحجة عام 10 ه، عطفا على ما كان قد صرح به النبي وذكره مرات، وتأكيدا لما كان نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الوحي القرآني والبياني أكثر من مرة.
على أن من الحري أن نؤكد أن قوله سبحانه: (ما أنزل إليك) يشمل كل ما هبط على النبي (صلى الله عليه وآله) في هذا المجال، على امتداد سني الرسالة، سواء أكان وحيا قرآنيا أم وحيا بيانيا، وذلك في مختلف المواضع والمناسبات، وعلى صعيد كافة التجمعات مما قل منها أو كثر.
والآن هذا هو النبي أمام صفوف متراصة من المسلمين تبلغ عشرات الألوف قد قصدوا مكة حجاجا من حواضر العالم الإسلامي وبواديه، وأموا البيت العتيق من كل فج عميق. وإذا صوت الوحي يأتي النبي من فوره، يأمره وهو في السنة