أحاديث الثقلين (14) من بين الخطوات التي تدبرها الرسول القائد لمستقبل الأمة، للحؤول دون تفشي الضلالة، وشيوع الجهل في وسطها، وانحدارها إلى هوة الحيرة والضياع، هي جهوده التي بذلها لتعيين المرجعية الفكرية، وتحديد مسار ثابت للحركة الفكرية، وبيان كيفية تفسير القرآن والرسالة والمصدر الذي يستمد منه ذلك.
هذه الحقيقة ربما عبرت عن نفسها بأنصع وجه في " حديث الثقلين ".
لقد تضوعت مواطن كثيرة بشذى الحديث؛ حيث صدع به النبي (صلى الله عليه وآله) مرارا بمحتوى واحد وصيغ بيانية متعددة، وفي مواضع مختلفة؛ في عرفة، ومسجد الخيف، وفي غدير خم، كما أتى على ذكره في آخر كلام له وهو على مشارف الرحيل وقد ثقل عليه المرض، في الحجرة الشريفة، وغير ذلك. وبالإضافة إلى أهل البيت (عليهم السلام) فقد روى الحديث عدد كبير من الصحابة، كما ذهب إلى صحته كثير من التابعين والعلماء (1).
إن للحديث صيغا متعددة، جاء في إحداها: " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر؛ كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " (2).