الأخيرة من عمره الشريف وفي حجة الوداع، أن يصدع بالولاية العلوية، ويعلن على الجميع إمامة علي بن أبي طالب، بصراحة تامة، ودقة متناهية لا تحتمل أدنى شائبة من تأويل، ولا تطيق أي عذر أو تسويغ مهما كان.
يتوجس النبي من الأمر ويخشاه، بيد أن خشيته لا على نفسه وهو الذي حمل روحه على كفه وبذلها في سبيل الحق منذ أيام الدعوة الأولى، فقهر الصعاب وجعل المستحيل ذلولا.
يتوجس، لكن لا من المشركين وقد كسر شوكتهم، وصاروا على يديه فلولا يائسة منهوكة.
يخاف، لكن أيضا لامن اليهود والنصارى وقد لاذوا أمام عظمة المسلمين وجلال إهابهم، بصمت ذليل.
إنما الذي يخشاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويتوجس منه لهو " داخل أمته " وما يريبه هو هذا " النفاق " الكامن الذي أخذ موقعه بين بعض المسلمين، وما يخشاه هو هذه الشكوك التي يبثها النفر الذين تظاهروا بالإسلام، وهم في ريب من أصل الرسالة، وما يخاف منه هو هذه التهم التي تهجم على الكلام النبوي، لترمي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالفئوية الأسرية الضيقة، ومحاباة قرابته القريبة، وتتهمه بتحميل أهله على الناس!
مما تكشف عنه لغة الآية والروايات - التي مرت نصوصها فيما مضى - أيضا أن أمين الوحي جبرائيل (عليه السلام) كان قد حمل في الأيام الأخيرة عن الله سبحانه، إلى أمين الرسالة (صلى الله عليه وآله) أهمية هذا الإبلاغ، وأكد على ضرورته مرات، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحدث عن توجسه وخيفته؛ وها هو الآن البلاغ الأخير يقرع فؤاده: (يا أيها