الرسالات وثباتهم: ﴿الذين يبلغون رسلت الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا﴾ (1)! أو بعد هذا، يجوز أن ينعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالخوف من البطش والأذى، أو الرهبة من القتل والتعذيب، وهو أفضل الرسل الكرام، وخاتم النبيين، والحلقة الأخيرة في موكب حملة الحق ورسالات السماء!
هي إذا خشية، بيد أنها من " لون " آخر، فما كان يخشاه النبي هو أن لا يؤتي " البلاغ " ثماره المرجوه، وما كان يبعث على توجسه هو طبيعة الجو الذي يمنع من نفاذ كلمة الحق، ويردع عن أن يؤتي " البلاغ " آثاره المطلوبة. هذا ما كان يخشاه النبي ويبعث في نفسه التوجس لاغير.
4 - قوله: (من الناس) " الناس " هو لفظ مطلق بلا شك، والنص يتضمن حفظ الله سبحانه وحراسته للنبي (صلى الله عليه وآله)؛ حفظه من أحابيل أولئك الذين ستنطلق جهودهم وهي تهدف الحؤول دون وصول " البلاغ " إلى الناس، ومن ثم إفشال مهمته.
فعلى هذا يتضح أن المراد من " الكفر " في قوله: (القوم الكافرين) هو الكفر ببعض الآيات الربانية، والمقصود من " عدم الهداية " في قوله سبحانه: (إن الله لا يهدى) هو عدم نجاح خديعة هؤلاء، وفشل ما أبرموه للنيل من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في إبلاغ " ما أنزل ".
وإلا لو كان المراد من " عدم الهداية " عدم الهداية إلى الإيمان، لتعارض ذلك مع أصل التبليغ ومهمة الإبلاغ، ولم يتسق مع فلسفة الدعوة والهداية بالأساس، حتى لكأن الله سبحانه يقول: ادعو هؤلاء إلى حكم الله، بيد أنني لن أهديهم!