أحاديث الغدير (15) ذكرنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكد منذ الأيام الأولى التي صدع فيها بالرسالة، على الإمامة ومستقبل الأمة من بعده، وشهدت له المواطن جميعا، وهو يعلن " الحق "، ويحدد أمام الجميع الإمامة من بعده بأعلى خصائصها، وبمزاياها المتفوقة، ولم يتوان عن ذلك لحظة، ولم يضع فرصة إلا وأفاد منها في إعلان هذا " الحق " والإجهار به. وفي الحجة الأخيرة التي اشتهرت ب " حجة الوداع "، بلغت الجهود النبوية ذروتها، وقد جاءه أمر السماء بإبلاغ الولاية، لتكتسب هذه الحجة عنوانها الدال، وهي تسمى " حجة البلاغ " (1).
لنشاهد المشهد عن كثب ونتأمل كيف تكونت وقائعه الأولى. فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قصد التوجه للحج في السنة العاشرة من الهجرة، وقد نادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعلم الناس بذلك، فاجتمع من المسلمين جمع غفير قاصدا مكة ليلتحق بالنبي (صلى الله عليه وآله)، ويتعلم منه مناسك حجه.
حج رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمسلمين، ثم قفل عائدا صوب المدينة. عندما حل اليوم الثامن عشر من ذي الحجة كانت قوافل الحجيج تأخذ طريقها إلى مضاربها ومواضع سكناها؛ فمنها ما كان يتقدم على النبي، ومنها ما كان يتأخر عنه، بيد أنها لم تفترق بعد، إذ ما يزال يجمعها طريق واحد. حلت قافلة النبي (صلى الله عليه وآله) بموضع يقال له " غدير خم " في وادي الجحفة، وهو مفترق تتشعب فيه طرق أهل المدينة