إلى أضعف الوجهين مما كان الأصلح غيره من الاثخان، والقتل، فعوتبوا على ذلك، وبين لهم ضعف اختيارهم وتصويب اختيار غيرهم، وكلهم غير عصاة ولا منذنبين، وإلى نحو هذا أشار الطبري.
وقوله - صلى الله عليه وسلم في هذه القضية: لو نزل من السماء عذاب ما نجا منه إلا عمر - إشارة إلى هذا من تصويب رأيه ورأي من أخذ بمأخذه، في إعزاز الدين، وإظهار كلمته، وإبادة عدوه، وأن هذه القضية لو استوجبت عذابا نجا منه عمر ومثله: وعين عمر لأنه أول من أشار بقتلهم، ولكن الله لم يقدر عليهم في ذلك عذابا لحله لهم فيما سبق.
وقال الداودي: والخبر بهذا لا يثبت، ولو ثبت لما جاز أن يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بما لا نص فيه ولا دليل من نص، ولا جعل الامر فيه إليه، وقد نزهه الله تعالى عن ذلك.
وقال القاضي بكر بن العلاء: أخبر الله تعالى نبيه في هذه الآية أن تأويله وافق ما كتبه له من إحلال الغنائم والفداء، وقد كانوا قبل هذا فادوا في سرية عبد الله بن جحش التي قتل فيها ابن الحضرمي بالحكم بن كيسان وصاحبه، فما عتب الله ذلك عليهم، وذلك قبل بدر بأزيد من عام.
فهذا كله يدل على أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الاسرى كان على تأويل وبصيرة، وعلى ما تقدم قبل مثله، فلم ينكره الله تعالى عليهم، لكن الله تعالى أراد - لعظم أمر بدر وكثرة أسراها، والله أعلم - إظهار نعمته، وتأكيد منته بتعريفهم ما كتبه في اللوح المحفوظ من حل ذلك لهم، لا على وجه عتاب وإنكار وتذبيب. هذا معنى كلامه.
وأما قوله: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى..) [عبس 1].
فليس فيه إثبات ذنب له صلى الله عليه وسلم، بل إعلام الله أن ذلك المتصدي له ممن لا يتزكي، وأن الصواب والأولى - لو كشف لك حال الرجلين - الاقبال على الأعمى.
وفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما فعل، وتصديه لذاك الكافر، كان طاعة لله وتبليغا عنه، واستئلافا له، كما شرعه الله له، لا معصية، ولا مخالفة له.
وما قصه الله عليه من ذلك إعلام بحال الرجلين وتوهين أمر الكافر عنده، والإشارة إلى الاعراض عنه، بقوله: (وما عليك ألا يزكي) [عبس: 7].
وقيل: أراد ب " عبس "، و " تولى " - الكافر الذي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم، قاله أبو تمام.
وأما قصة آدم عليه السلام، وقوله تعالى: (فأكلا منها) - بعد قوله: (ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) [البقرة 35]. وقوله (ألم أنهكما عن تلكما الشجرة)