وقال أبو عبيدة: أصله ملاك أيضا، لكن من لاك إذا أرسل، وقال أبو عمرو بن الحاجب - رحمه الله تعالى - الوجه هو القول الأول إذ ليس فيه إلا ارتكاب القلب، ولا بد فيه من إرادة الهمزة في مفرده لورودها في جمعه، قال ابن كيسان: فعال بعيد، لان مثل ذلك نادر، ويفعل كثيرا وحمله على الكثير أولى من حمله على النادر، لا سيما مع مناسبته للرسالة بخلاف الملك.
وأما قول أبي عبيد الله: إنه مفعل من لاك إذا أرسل فبعيد، لأنه يكون مرسلا لا مرشدا، وإذا كان من الألوكة كان مرسلا فترجح الأول.
الثاني: في حقيقة معناه: ذهب أكثر المسلمين إلى أن الملائكة أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، مسكنها السماوات، وهذا المذهب الذي يقوم عليه الدلالة، وقد دلت الأدلة السمعية على وجود الملائكة وأثبتها أهل الاسلام على الوجه الذي بيناه، واتفقت على وجودها الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم -، والملل كلها مجتمعة على ذلك وإن كان المرجع والاعتماد في إثباتها ووجودها على الأدلة السمعية، وما قاله الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - واجب المصير في معرفة حقائقهم إلى ما دلت عليه الأدلة السمعية من الكتب الإلهية وقول الأنبياء.
الثالث: في وجوب الايمان بهم.
قال الله سبحانه وتعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل لما سأله عن الايمان أن تؤمن بالله وملائكته ورسله قال الحافظ أبو بكر البيهقي - رحمه الله تعالى - في " شعب الايمان "، والايمان بالملائكة ينتظم معاني:
أحدها: التصديق بوجودهم.
والثاني: إنزالهم منازلهم، وإثبات أنهم عباد الله وخلقه، كالانس، والجن، مأمورون مكلفون، لا يقدرون إلا على ما يقدرهم الله تعالى عليه، والموت عليهم جائز، ولكن الله تعالى جعل لهم أمدا بعيدا، فلا يتوفاهم حتى يبلغوه، ولا يوصفون بشئ يؤدي وصفهم به إلى إشراكهم بالله تعالى جده ولا يدعون آلهة كما دعتهم الأوائل.
والثالث: الاعتراف بأن منهم رسلا يرسلهم الله إلى من يشاء من البشر، وقد يجوز أن يرسل بعضهم إلى بعض ويتبع ذلك الاعتراف بأن منهم حملة العرش، ومنهم الصافون، ومنهم خزنة الجنة، ومنهم خزنة النار، ومنهم كتبة الأعمال، ومنهم الذين يسوقون السحاب، فقد ورد القرآن بذلك كله أو بأكثره.