والصحيح أن حكم صلاة الخوف كان بعد هذا، فهو ناسخ له.
فإن قلت: فما تقول في نومه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة يوم الوادي، قال: إن عيني تنامان ولا ينام قلبي.
فاعلم أن للعلماء في ذلك أجوبة، منها: أن المراد بأن هذا حكم قلبه عند نومه وعينيه في غالب الأوقات، وقد يندر منه غير ذلك، كما يندر من نومه خلاف عادته.
ويصحح هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث نفسه: إن الله قبض أرواحنا.
وقول بلال فيه: ما ألقيت علي نومة مثلها قط، ولكن مثل هذا إنما يكون منه لأمر يريده الله من إثبات حكم، وتأسيس سنة، وإظهار شرع، كما قال في الحديث الاخر: لو شاء الله لأيقظنا، ولكن أراد أن يكون لمن بعد كم.
الثاني - أن قلبه لا يستغرقه النوم حتى يكون منه الحدث فيه، لما روي أنه كان محروسا، وأنه كان ينام حتى ينفخ، وحتى يسمع غطيطه، ثم يصلي ولا يتوضأ.
وحديث ابن عباس المذكور فيه وضوؤه عند قيامه من النوم، فيه نومه مع أهله، فلا يمكن الاحتجاج به على وضوئه بمجرد النوم، إذ لعل ذلك لملامسته الأهل أو لحدث آخر، فكيف وفي آخر الحديث نفسه: ثم نام حتى سمعت غطيطه، ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يتوضأ.
وقيل: لا ينام قلبه من أجل أنه يوحى إليه في النوم، وليس في قصة الوادي إلا نوم عينيه عن رؤية الشمس. وليس هذا من فعل القلب، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا...